في حتمية المراجعة الجذرية لـ(العلوم الشرعية) (٣): حادثة السقيفة

  • 11/3/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تبقى حادثة السقيفة مفرقًا مفصليًا أساسيًا، غير مسبوقٍ طبعًا، في تاريخ المسلمين.. إنها الحادثة الأولى، بل اللحظات الأولى، التي ستبدأ بعدها حياةُ المسلمين بدون وجود الرسول صلى الله عليه وسلم الذي اعتادوا أن يكون موجودًا بينهم.. موحى إليه من السماء فيما يطرأ على حياتهم الخاصة والعامة من قضايا ومُستجدات، صغيرةً كانت أو كبيرة.. يطمئنون إلى حُكمهِ ورأيه في بعض تلك المستجدات، حتى لو لم تكن وحيًا يوحى، لأسباب نفسية وإيمانية، ما من حاجةٍ لِشَرحِها. لكنها أيضًا اللحظات الأولى في تاريخ المسلمين، والتي يواجهونَ فيها، فجأةً، دون أي تفكيرٍ أو تخطيطٍ مُسبق، شأنًا جديدًا هو في حقيقته من أكبر القضايا التي يمكن أن يواجهها مجتمعٌ ناشئ: قضية الاستمرارية في (قيادة) هذا المجتمع، وكل ما يتعلق بذلك في تلك اللحظة من حسابات وملابسات، وكل ما سيتعلق بها بعد ذلك من نتائج ومستتبعات، ستُشكِّلُ بمُجملها تاريخ المسلمين القادم. لم يَذكُر الرسولُ الكريم، قبل وفاتِهِ، كلمةً واحدةً صريحةً واضحةً بشأن ذلك الموضوع.. حصلَ هذا رغم حتمية إدراكه لـ(حَتميّةٍ) أخرى: أن هذا الموضوع آتٍ لا محالة.. وأنه خطيرٌ وحسَّاس، بل ومصيريٌ حين يتعلق الأمر بكل ذلك البناء الذي عمل على تشييده لأكثر من عَقدين! فعلَ هذا عن وعيٍ وإرادة، حتى وهو يعلم أن ما يعاني منه هو مرضُ الموت القادم.. كان أكثر ما فعَلهُ أنه تحدث ببعض العبارات، حَمَّالةِ الأوجُه، وأعطى بعض الإشارات، غير المباشرة، مثل تقديم أبي بكرٍ للصلاة. لماذا حدثَ هذا؟.. حتى القرآن الكريم.. سكتَ عن مثل هذا الموضوع المهم والأساسي والمفصليّ في حاضر المسلمين ومستقبلهم.. بل إن مَن أوحى به من السماء، الله جلّ جلاله، يعلم يقينًا إلى أي مدىً ستلعب أحداث ما بعد وفاة رسوله صلى الله عليه وسلم دورًا في تشكيل الإسلام، وحتى في مجرد إمكانية استمراره. رغمَ هذا، ورغم الآيات المفصّلات التي أنزَلها فيما يخصُّ قضايا أخرى عديدة ومعروفة، أقلُّ في أهميتها بكثيرٍ من هذه القضية، إلا أنه سكتَ عن أي تفصيلٍ فيها، مهما كان صغيراً! لماذا حدثَ هذا؟.. هل كان ثمةَ أمرٌ أسهلُ على الرسول صلى الله عليه وسلم، لكيلا نتحدث عن الخالق الحكيم العليم، من أن يجمعَ أصحابَهُ، ومنهم قادةُ المهاجرين والأنصار، قبل وفاتهِ، ويضعَ لهم ومعهم، بالاستعانة بالوحي أو بدونه، خطةً مفصلةً لـ»الانتقال السياسي»، لا تضمنُ فقط سلاسَتهُ، ومعها أمن المجتمع من جميع النواحي، بل إنها أيضًا تضمن مسارًا محددًا مرسومًا يكفل، بحكمة الرسول صلى الله عليه وسلم والوحي المُنزل إليه، مستقبلاً للإسلام والمسلمين يختلفُ جذريًا عما آل إليه الوضع، في الأيام والشهور والسنوات والعقود التي تلت وفاتَه.. بما فيها من أحداثَ مؤلمة وفظيعة حيَّرت المسلمين طوال تاريخهم، وهي اليوم، مع غيرها من المسائل، تدفع مسلمينَ كثرًا، خاصةً من الشباب، خارجَ دين الله (أفواجا)؟! بشيءٍ من التفكير الموضوعي، وبعيدًا عن الضغط النفسي والفكري (الأيديولوجي) الذي يحيط بعقول غالبية المسلمين اليوم، وخاصة العلماء منهم إحاطةَ السِّوار بالمعصم، هناك أكثر من إجابةٍ. سنختار هنا واحدة من تلك الإجابات، ونستكمل عملية (التفكيك) هذه تدريجيًا بعدها: لا توجد، لا في القرآن، ولا في ما يصحُّ من الحديث، (إجاباتٌ وحلول) لكل الأسئلة والتحديات التي تتعلق بحياة المسلم اليوم، وهي لم تكن توجدُ منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولن توجد إلى يوم الدين.!! ولو صحَّت تلك المقولة، لباتَ إغفالُ الرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن لذلك الموضوع، الأساسي والخطير والمفصليّ، أمرًا ذا دلالات خطيرة جدًا عقائديًا وإيمانيًا... لكن تقزيم الإسلام يكمنُ تمامًا في هذه الطريقة من التفكير، فالأمر على عكس ذلك قطعيًا. كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وقَبله مُنزلُ القرآن جل جلاله، خالقُ هذا الإنسان، والخبيرُ به، وبما يُريدهُ منه على هذه الأرض، يعطي المسلمين، قبل غيرهم درسًا بالغ الدلالة، يتعلق بدرجةٍ عاليةٍ من الاحترام لعقل الإنسان واجتهاده، ومن الثقة بأنه أهلٌ لأن يتحمل مثل ذلك العبء الكبير.. بل وأن يتحمَّل نتائج وتَبِعات وعواقِب هذا الاجتهاد، أيًا كانت، بمسؤوليةٍ وصدقٍ مع الله والنفس والتاريخ.. وبأي طريقة.. وأيًا كان الزمنُ الذي يحصلُ فيه ذلك. ونحن إذ نرى كيف تحمَّلَ المسلمون نتائج خياراتهم (البشرية) غير المعصومة، بطرق وأساليب مختلفة على مرِّ القرون، فإننا نحسبُ أن المسؤولية آلت إلينا، كمسلمين في هذا الزمن، لنرى كيف نتعامل مع نصيبنا من تلك المسؤولية.

مشاركة :