أعاد الخطاب الذي تعتمده شخصيات إسلامية فائزة في الانتخابات التشريعية ضمن الائتلاف الانتخابي المحافظ “ائتلاف الكرامة” (21 مقعدا)، المشهد التونسي إلى مربع الاحتقان بعد التهجم على قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل التي حذرت من كونها تصريحات ستعكّر المناخ العام وستوتر العلاقة الرابطة بين منظمتهم والحكومة. وتميّز الخطاب السياسي لمؤسس ائتلاف الكرامة، سيف الدين مخلوف، منذ حملته الانتخابية لسباق الانتخابات التشريعية بمصطلحات استئصالية مناهضة كذلك للصحافيين وقوات الأمن تحت يافطة الدفاع عن الثورة. واستحضر أعضاء ائتلاف الكرامة عبارات معادية لاتحاد الشغل كانت قد اعتمدتها رابطة حماية الثورة عام 2012 بهدف إزاحته من الشأن الوطني والتخلص من الضغوط النقابية التي تسلّط على الحكومة للدفاع عن حقوق العمال وعن الحريات الاجتماعية والاقتصادية. وفي كل ظهور إعلامي، يصر سيف الدين مخلوف على استفزاز قيادة اتحاد الشغل وتوجيه اتهامات لها بارتكاب جرائم فساد دون تقديم أدلة واضحة، معلنا رفضه التام لمشاركة المنظمة النقابية في المشاورات التي تهم الوضع العام بالبلاد. ويتهم سيف الدين مخلوف اتحاد الشغل بإفلاس تونس ويعتبر أن خياراته تسببت في الأزمة الاقتصادية، مهددا بمحاسبة قياداته التي يرى أنها كوّنت ثروات طائلة. ووصلت حدة الاتهامات التي يطلقها سيف الدين مخلوف تجاه أعضاء اتحاد الشغل إلى توصيف عضو قيادته المركزية سامي الطاهري بكونه من سلالة جوزيف ستالين، مطلقا تهديداته بالملاحقة بعد صعوده وأعضاء رابطات حماية الثورة إلى البرلمان. ويرى مراقبون أن تصريحات سيف الدين مخلوف خطة سياسية تنبني على خطاب تحريضي وإقصائي بهدف ترهيب النقابيين وإثنائهم عن رفع مطالب مهنية خلال الدورة النيابية الجديدة للحكم، خاصة وأنه من المتوقع أن يكون حليف حركة النهضة الإسلامية في الحكم. ويعتبر هؤلاء أن خطاب سيف الدين مخلوف يجدّد الدعوات إلى الإقصاء ويحيي سلوكيات نبذ حق الاختلاف ويستحضر المناخ السياسي المحتقن الذي ساد البلاد خلال فترة حكومة الترويكا (النهضة، حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، حزب التكتل). وفي عام 2012، شنت ميليشيات ما يسمى برابطة حماية الثورة هجوما بالسكاكين والعصي على مقر اتحاد الشغل بالعاصمة واعتدت على بعض قياداته اعتراضا على فرض مطالب الموظفين على الحكومة التي تزعمتها النهضة آنذاك. وأمام هذه التطورات أعلن اتحاد الشغل جاهزيته للتصدي لأي محاولة للاعتداء عليه من جديد ورفع قضية ضد سيف الدين مخلوف بتهمة المغالطة ونشر خطاب الكراهية والعنف والادعاء بالباطل. ونبّه إلى أن مضامين تصريحات رئيس الائتلاف الانتخابي المحافظ ستؤدي إلى خلق أزمة حادة بينه وبين الحكومة الجديدة في حال تشريكه في تشكيلة الحكومة الجديدة. وقال الأمين العام المساعد للاتحاد سامي الطاهري، إن سيف الدين مخلوف يمثل خطرا على تونس وأنه من “بقايا عصابة رابطات حماية الثورة واعتبر سامي الطاهري أن تواجد ائتلاف الكرامة في الحكم إفساد للوضع والمناخ وتأجيج للوضع الاجتماعي لأنه سليل رابطات حماية الثورة التي هاجمت الاتحاد والصحافيين، مؤكدا أن وجوده في الحكومة سيغيّر نظرة الاتحاد في التعامل معها وسيحكم عليها بالفشل. وبدوره، اعتبر الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نورالدين الطبوبي، أن سيف الدين مخلوف والدوائر المحيطة به يسعيان لاستهداف منظمتهم لتحجيم دورها، داعيا النقابيين إلى تحصينها. وشدد الطبوبي على أن “اتحاد الشغل سيواصل مسيرته في تونس التي لا تقبل أن تتواجد فيها عناصر رابطات حماية الثورة ومن وصفهم بالدواعش”.وأثارت تصريحات سيف الدين مخلوف غضب الأمنيين واستنكارهم لعدم قيام النيابة العامة بفتح بحث تحقيقي ضده بسبب توجيهه اتهامات للأمنيين والسياسيين والصحافيين بالضلوع في بعض العمليات الإرهابية التي شهدتها البلاد. وقال الناطق الرسمي باسم إقليم الحرس الوطني بالمنستير، مراد بن صالح، إن تصريحات قيادات ائتلاف الكرامة تمسّ من الأمن القومي. سياسيا، بات من الواضح أن ائتلاف الكرامة سيكون أحد أضلع الحكومة الجديدة بعد توافقه مع حركة النهضة الإسلامية المكلفة بتشكيلها وقبوله مشاركتها في الحكم دون شروط. وتحاول حركة النهضة الاستقواء سياسيا بالكتلة النيابية لائتلاف الكرامة وضمها إلى كتلتها لتصبح ذات وزن برلماني فعّال قياسا بحجم الكتل النيابية الأخرى. وسيكون خطاب أعضاء ائتلاف الكرامة عائقا كبيرا في مشاورات تشكيل الحكومة، خاصة وأن حركة الشعب المعنية بهذه المشاورات تضم عددا هاما من النقابيين في صفوفها وتعلن دفاعها عن اتحاد الشغل. وتأسس ائتلاف الكرامة قبل الانتخابات التشريعية التي جرت خلال السنة الحالية وانبثقت توجهاته عما يسمى برابطات حماية الثورة التي تكونت بعد الثورة التونسية.
مشاركة :