دق القائمون على قطاع الصحافة والإعلام في تونس ناقوس الخطر، بعد مصادقة لجنة الحقوق والحريات في البرلمان على مبادرة كتلة ائتلاف الكرامة التي رفضها الصحافيون منذ بداية اقتراحها باعتبارها تهدد استقلاليّة الإعلام وتساهم في خلق الفوضى في المشهد الإعلامي وسيتسنى لكلّ المتطرّفين إطلاق إذاعات وقنوات تلفزيونية خاصة بهم. تونس - دعت أوساط إعلامية وصحافية تونسية إلى إسقاط المبادرة البرلمانية التي تقدّمت بها كتلة ائتلاف الكرامة بالبرلمان، مدعومة من حركة النهضة، لتنقيح المرسوم رقم 116 لعام 2011 المتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري، التي حظيت بمصادقة لجنة الحقوق والحريات في البرلمان رغم الرفض الواسع لهذه المبادرة. ويؤكد الرافضون لمشروع القانون بأنه هدفه حذف شرط الترخيص لإحداث القنوات الفضائية والإذاعية من أجل إضفاء الشرعيّة على القنوات غير القانونيّة، وإن إلغاء تراخيص البثّ مخالف بالكامل لمفهوم التّعديل وضرب في الصّميم لأيّ هيئة تعديليّة. واعتبروه خطرا يُهدّد استقلاليّة الإعلام ويساهم في خلق الفوضى في المشهد الإعلامي وسيتسنى لكلّ المتطرّفين إطلاق إذاعات وقنوات تلفزيّونية تخدم أطرافا حزبية وسياسية دون سلطة ورقابة وهذا ما يريده نواب النهضة وائتلاف الكرامة وقلب تونس وحزب الرحمة لتركيع الإعلام وللتحكم في القطاع السمعي البصري. وعلق نقيب الصحافيين التونسيين ناجي البغوري، على مصادقة لجنة الحقوق والحريات على المبادرة، وقال في تدوينة له “قريبا في تونس إذاعة داعش وتلفزيون جبهة النصرة وقناة جند الخلافة”. وتابع إن تنقيح المرسوم 116 تم كما تريده النهضة وإئتلاف الكرامة وقلب تونس، وأضاف قائلا “الإرهاب يتمدد في حضن الدولة”. وسارعت الحكومة الخميس لإيداع مشروع القانون المتعلق بتنظيم قطاع الاتصال السمعي البصري بمجلس نواب الشعب، بعد أن صادق عليه مجلس الوزراء المنعقد الثلاثاء. ومشروع الحكومة يحظى بدعم النقابات المهنية والهايكا نفسها، وتم التسريع به لقطع الطريق على مشروع ائتلاف الكرامة. والمرسوم رقم 116 الصادر في 2 نوفمبر 2011، يتعلق بحرية الاتصال السمعي والبصري وبإحداث هيئة عليا مستقلة للاتصال السمعي والبصري، وبحرية ممارسة الهيئة مهامها باستقلالية تامة دون تدخل من أي جهة. وتراقب الهيئة التزام الإذاعات والقنوات التلفزيونية بالقانون ويحق لها فرض عقوبات على كلّ من يتجاوز أخلاقيات المهنة، إلاّ أنّ العديد من الأشخاص النافذين في البلاد قاموا بالتمرّد على قانون الاتصال السمعي البصري وأحدثوا قنوات تلفزيونية وإذاعات غير قانونية على غرار قناة نسمة لصاحبها رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي وإذاعة القرآن الكريم لصاحبها رئيس حزب الرحمة سعيد الجزيري، وقناة الزيتونة المدعومة من النهضة. وتمرّدت هذه القنوات على “الهايكا” ولم تخضع لقراراتها واستمرت في البثّ بطريقة غير قانونيّة، كما أنّ العديد من الأحزاب الإسلامية تعمّدت ممارسة أسلوب الضغط على العديد من القنوات التلفزيونية والإذاعية. وتنص مبادرة تنقيح المرسوم رقم 116على إلغاء تراخيص إنشاء قنوات إذاعية وتلفزيونية وتعويضها بتصريح للوجود لدى الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري “الهايكا” مقابل الحصول على وصل يتضمن كل المعطيات المتعلّقة باسم الشخص أو المؤسسة المالكة للقناة ومقرّها ورقم سجلّها التجاري ومعرّفها الجبائي وبقائمة في أسماء مؤسسيها ومسيّيريها. ورفضت “الهايكا” هذه المبادرة في بيان أصدرته في 12 مايو الماضي، وحذرت من خطورتها نظرا لأنّها صادرة عن طرف سياسي، وهو ائتلاف الكرامة، الذي يعتبر الهايكا خصما أيديولوجيا له وقام نوابه بالتهجم على الهيئة الدستورية في أكثر من فرصة وتكفير أعضائها. وشدّدت الهايكا على أنّ هذه المبادرة مخالفة للدستور إذ أنّها تهدف إلى تجديد تركيبة الهيئة عبر تنظيم انتخابات من قبل مجلس نواب الشعب فيما ينصّ الدستور على أن “تواصل الهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري القيام بمهامها إلى حين انتخاب هيئة جديدة”. وأكدت أنّ إلغاء نظام الإجازات (الترخيص) الممنوحة لمنشآت الاتصال السمعي والبصري الخاضعة لكراسات الشروط وتعويضه بنظام التصريح، هو اقتراح خطير يهدف إلى إخضاع الهيئة التعديلية المستقلة للمحاصصة الحزبية ولسيطرة مراكز النفوذ الخفية. كما اعتبر عضو الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري “الهايكا” هشام السنوسي، أنّ المصادقة على هذا القانون اللاّدستوري هو مهزلة سياسية ويعدّ منعرجا خطيرا في قطاع الإعلام نظرا لأنّ هذه المبادرة تمثل تهديدا لحرية الإعلام وتهديدا للمسار الديمقراطي. وأكّد أنّ هذه المبادرة ستفتح الباب أمام الفاسدين وستمكّنهم من وضع أيديهم على قطاع الإعلام وستمكّن كل من هبّ ودبّ من بعث إذاعات وتلفزات. وعبّرت الجمعية العامة للإعلام التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، في بيان نشرته على حسابها في فيسبوك، عن “استنكارها توجه العديد من الأطراف السياسية إلى تمرير مشروع تنقيح المرسوم المذكور دون الاستئناس والاستماع ومشاركة الأطراف المعنية بالملف واصفة المشروع بـ’الخطير"”. واعتبرت أن تمريره يمثل “مرورا بالقوة وينذر بتحول مجلس نواب الشعب لمؤسسة تهدف لضرب الحقوق والحريات الصحافية”. وأشارت إلى أن هذه المبادرة التشريعية لها “خلفياتها السياسية المعروفة”، معلنة عن استعداد كافة هياكلها إلى “التصدي لمشروع ائتلاف الكرامة”. ودعت الجهات المعنية بالملف ومكونات المجتمع المدني المستقل وكل الأحزاب المؤمنة بحرية الإعلام والرافضة للتطرف والتسلط وفساد الفضاء الإعلامي والمال الفاسد في الإعلام، إلى إسقاط هذه المبادرة المقدمة من ائتلاف الكرامة، والممثل في البرلمان الحالي بـ19 نائبا. كما استنكر أعضاء المكتب التنفيذي بنقابة الصحافيين هذا التعدّي الخطير على قطاع الإعلام ونشروا تدوينات عبّروا فيها عن رفضهم لهذا القانون وأشار البعض أنّ لرئيس الجمهورية قيس سعيد حريّة الطعن في دستوريّة ذلك القانون أو إعادته إلى البرلمان في قراءة ثانية تتطلب 145 صوتا للمصادقة عليه بشكل نهائي. وأكّد البعض الآخر منهم أنّ إلغاء تراخيص إنشاء قناة إذاعية أو تلفزيونية سيساهم في خلق فوضى داخل المجال السمعي البصري في تونس. وكانت وزارة حقوق الإنسان والعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني، قالت في بيان أصدرته في 5 يونيو الماضي، أن رئيس الحكومة، طلب سحب عدد من مشاريع القوانين كانت معروضة على مجلس نواب الشعب، ومن بينها مشروع القانون الأساسي المتعلق بهيئة الاتصال السمعي البصري، وذلك في توافق تام بين الحكومة وعدد من الفاعلين الأساسيين في القطاع وخاصة النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والهايكا.
مشاركة :