اقتصاد الصومال يسير في حقل ألغام تركية

  • 11/9/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تحاول تركيا تحويل الأنظار عن أزمتها الاقتصادية المتراكمة بسبب مغامرات الرئيس رجب طيب أردوغان في المنطقة، بمحاولة تكريس نفوذها في القرن الأفريقي من بوابة الصومال دون الكثير من الضجيج الإعلامي. وفي مؤشر على ذلك، عُقدت في العاصمة أنقرة، هذا الأسبوع، اجتماعات اللجنة الاقتصادية بين البلدين، في خطوة لفتح كافة الأبواب الاستثمارية والتجارية أمام تركيا، التي تعمل على استغلال الفرصة في حملة تجارية دعائية جديدة. وتستثمر أنقرة في علاقتها مع مقديشو من خلال وعود اقتصادية استعراضية يشكك كثيرون في مصداقيتها، مع التدخل في الجوانب الأمنية والعسكرية، بما فيها تدريب الصوماليين. وتعطي تلك الوعود انطباعا للمراقبين بأن لدى أنقرة اهتماما بتأهيل البنية التحتية والطرقات وبناء المستشفيات والمدارس، فضلا عن الاهتمام بالجانب التعليمي. وجرت الاجتماعات، التي تهدف لتعزيز الشراكة الاقتصادية والاستراتيجية بين البلدين، بحضور وزير التخطيط والاستثمار والتنمية الاقتصادية في الصومال، جمال محمد حسن، واللافت فيها هو مشاركة وزير الدفاع التركي خلوصي أكار. وأوضح أكار أن اللجنة الاقتصادية المشتركة تشكل أساسا للأنشطة المشتركة في العديد من المجالات بين البلدين، وخاصة في التجارة والاستثمار. وتشير التقديرات إلى أن حجم التجارة بين البلدين بلغ بنهاية العام الماضي حوالي مائتي مليون دولار يميل لصالح تركيا، بعد أن كانت في حدود مليوني دولار فقط في عام 2003. 200 مليون دولار حجم المبادلات التجارية بين البلدين تُميل معظم العوائد لصالح تركيا وتبقى هذه المسألة مجرد عملية ترويجية، بحسب البعض، إذ ليس لأنقرة أي خطط لدعم الصومال ماديا، خاصة وأنه يعاني من أزمة ديون خانقة بسبب الاضطرابات التي تعيشها البلاد منذ سنوات طويلة. وتبلغ ديون الصومال الخارجية حوالي 4.7 مليار دولار، وهو ما وصفه صندوق النقد الدولي بأنه عبء لا تستطيع الدولة الأفريقية تحمله. ويقول محللون إن النفوذ العميق الخفي والمعلن لتركيا في الصومال يعرقل أي محاولة لإخراج البلاد من الفوضى، خاصة أنها تؤجج جبهات الصراع بين القبائل وجماعات إرهابية مثل حركة الشباب. كما أن خضوع معظم الأطراف السياسية الصومالية لأنقرة أدى إلى ابتعاد الداعمين الدوليين مثل السعودية والإمارات، إضافة إلى تعكير علاقة مقديشو بجيرانها مثل إثيوبيا. ورغم ذلك، رحب وزير التخطيط والاستثمار والتنمية الاقتصادية الصومالي، جمال محمد حسن، بالتعاون التركي مع بلاده، خاصة من خلال الاستثمارات المباشرة. وتتولى شركات تركية، تشغيل وإدارة موانئ ومطارات صومالية بالغة الأهمية، في مسعى من أنقرة لترسيخ نفوذها في القرن الأفريقي، وهو ما يعتبره البعض محاولة للتغلغل في دوائر صنع القرار للوصول إلى أهداف غير اقتصادية. وكانت حكومتا البلدين قد وقعتا اتفاقية تخصيص متبادل للأراضي من أجل تشييد مباني الممثليات الدبلوماسية بكلا البلدين. وتسوّق أنقرة لنفسها على أنها المتسبب في إنقاذ الصومال من أزماته، بعد أن أمضى ثلاثين عاما عجافا عانى فيه من الحرب الأهلية والإرهاب والجفاف. وهناك مساع واضحة لإغراق السوق الصومالية بالمنتجات التركية، كما فعلت مع العديد من الدول العربية، مثل تونس، في محاولة لإبعاد اهتمام الصوماليين بالاستيراد من الصين ومنطقة الشرق الأوسط. كما أن العلاقات التي تريدها تركيا مع الصومال مبنية على المزاجية، بحيث أنها على استعداد لوقف المساعدات ومشاريعها هناك متى اقتضت الضرورة ذلك. ولعل توقف تركيا عن تقديم الدعم المباشر لموازنة الصومال في عام 2014 دليل على تلك الميول، وأغلقت مصدرا مهما للتمويل للحكومة الصومالية، التي كانت تحاول إعادة بناء البلد بعد أكثر من عقدين من الفوضى. وقد تقف المساعدات الدولية والقروض التي تطمح مقديشو إلى الحصول عليها من المؤسسات المالية الدولية، حائلا دون تحقيق تركيا أطماعها في الصومال. وكان وزير المالية الصومالي، عبدالرحمن بيلي، قد أكد الشهر الماضي، أن بلاده ستمضي قدما في جهود الحد من الفقر وفي تنفيذ مبادرة رئيسية لإنشاء موانئ وطرق للنقل، في حال وافقت جهات الإقراض الدولية على شطب ديون تقارب 5 مليار دولار في فبراير المقبل. ويدرس الصندوق المنح المطلوبة على وجه الدقة لمعالجة متأخرات ديون الصومال قبل اجتماع لمجلس إدارته في منتصف هذا الشهر. وتعهدت كريستينا جورجيفا، مديرة صندوق النقد، بدعم كامل لمساعي الصومال لإعفائه من الديون في “المستقبل القريب”. وعرضت كل من بريطانيا والاتحاد الأوروبي وقطر تحمّل نحو 150 مليون دولار من ديون الصومال لدى صندوق النقد، والتي تبلغ في المجمل نحو 330 مليون دولار. كما لعبت وزارة الخزانة الأميركية دورا في تشجيع الدعم من باقي أعضاء صندوق النقد، وتجري محادثات مع الكونغرس بشأن الخطوات اللازمة لشطب الدين الضخم المستحق على الصومال. وتظهر البيانات الرسمية الأميركية أن الديون المستحقة لوزارة الخزانة الأميركية على الصومال، تبلغ نحو مليار دولار. وقال بيلي إنه “فور إلغاء الديون، سوف يسعى الصومال للتفاوض بشأن الحصول على منح بقيمة 300 مليون دولار سنويا على مدى السنوات الثلاث المقبلة”. وأوضح، أن هذه المنح ستسمح للبلاد بالبدء في الإنفاق على مشاريع للحد من الفقر، من خلال تحسين قطاعي التعليم والرعاية الصحية، وكذلك دعم إمدادات المياه والكهرباء والاستثمار في مشروعات البنية التحتية المهمة الأخرى. وهناك سباق محموم بين التحالف التركي القطري لانتزاع الكثير من مشاريع النقل والموانئ والبنية التحتية، لكن تلك المشاريع تحمل في ثناياها أجندات لدعم جماعات الإسلام السياسي. لكن تقريرا نشره موقع أحوال تركية مؤخرا، كشف عن ظهور بوادر تصدع في التحالف التركي القطري في الصومال. ونقل التقرير مصادر سياسية صومالية تأكيدها أن قطر بدأت باتخاذ موقف مغاير لحليفتها تركيا على الساحة الصومالية. وأضافت المصادر أن التحول جاء بعد تقاطع المصالح التركية والقطرية في قضية تنقيب أنقرة عن الغاز في المياه الإقليمية القبرصية، وخاصة في منطقة حصلت فيها قطر على حق التنقيب من الحكومة القبرصية. وذكرت المصادر أن وفدا قطريا زار الصومال في الفترة الأخيرة، استخدم عبارات مناوئة لسياسة تركيا، وهو ما استرعى انتباه المسؤولين الصوماليين، وأثار الشكوك حول مدى قوة الشراكة القائمة بين تركيا وقطر.

مشاركة :