صحيفة أميركية: حراك لبنان يكسر حاجز الخوف داخل حزب الله

  • 11/15/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لا يمكن لمقاتل مخضرم في حزب الله أن يحسب كم عدد المرات التي ذهب فيها إلى سوريا، كما تشهد مقاطع الفيديو القتالية الحية والبشعة، المحفوظة على هاتفه الجوال، على كفاءته كمحارب ومدى فعالية وحداته في قتل أفراد تنظيم داعش وغيرهم من المتطرفين. ولكن، بحسب ما جاء في تحقيق موسع أعده سكوت بيترسون لجريدة "كريستيان ساينس مونيتور"، يرفض هذا المقاتل اللبناني العودة إلى سوريا الآن، بل ويلعن المنظمة التي كرس حياته لها. ويقول المقاتل، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، إن الميليشيا الشيعية، التي تأسست لمحاربة إسرائيل خففت من شعاراتها حيث توسعت إلى ساحات معارك بعيدة مثل العراق واليمن، وخفضت معايير التجنيد، وتواجه حاليا أزمة سيولة نقدية جعلت من مؤيديها الأساسيين فقراء. في الواقع، من خلال إحصاء واحد، فقد 1250 من مقاتلي حزب الله حياتهم في سوريا، مع تقديرات تبلغ أكثر من ضعف هذا العدد. وإذا كان الأمر كذلك، فقد عاد أكثر من هؤلاء في نعوش من سوريا أكثر ممن فقدوا أرواحهم وهم يقاتلون إسرائيل منذ تأسيس "حزب الله" في عام 1982. يقول المقاتل، الذي أوضح أن قواعد حزب الله تحظر على عناصره الاتصال بوسائل الإعلام: "لقد غرقنا بأكاذيبهم"، ويضيف بينما تبرز عيناه المتعبتان على وجه كثيف الشعر: "يزداد القادة ثراءً بالفساد. أنا على استعداد لمحاربة إسرائيل، ولكنك ... تموت في سوريا من أجل لا شيء". ينعكس سخطه في اختيار العديد من الشيعة من معاقل حزب الله التقليدية للانضمام إلى انتفاضة وطنية ضد الفساد المستشري والطائفية ونقص الخدمات المزمن، وهو ما يدعو إلى إزالة نظام سياسي نما فيه حزب الله ليلعب دورا مهيمنا. تآكل القواعد لقد ولت الأيام التي استقر فيها حزب الله في وهج الاحترام الواسع النطاق في لبنان لبناء "مجتمع المقاومة" ضد إسرائيل، عندما قدم الخدمات والدعم لعناصره الشيعية الفقيرة والمهملة منذ فترة طويلة، والتي كان يتربع في مرتبة أعلى من السياسة وما وراءها من عفن الفساد بفضل الصرامة الإيديولوجية والدينية. ويستطرد المقاتل، الذي يرتدي زيا مموها بينما يتحدث من داخل متجره، ويضع جهازي لاسلكي عسكري ومسدس على منضدة أمامه ويدس بنادق هجومية آلية في أحد الأركان، قائلا: "إن مقاتلي حزب الله يعاقبون أنفسهم الآن لأنهم يعلمون أنهم ارتكبوا خطأً كبيراً بالتوسع في سوريا والعراق واليمن، لأنهم يفقدون قاعدة دعمهم". ويردف قائلا: "إن الشيء الأكثر أهمية هو أنه إذا كان الشخص غير قادر على إطعام ودعم أسرته، فما الذي يفعله مع حزب الله؟"، ويكمل متسائلا: إن راتب 600 دولار شهريًا لا يستحق الموت من أجله في سوريا. لا يمكننا فعل شيء في لبنان. وهم (القادة) يقودون سيارات رينج روفر، الباهظة الثمن، ولا يهتمون بأي أحد. إنها مشكلة كبيرة. "لا يمكن للناس ابتلاعها بعد الآن". ونما هذا التذمر ضد حزب الله بهدوء لسنوات وراء الأبواب المغلقة. ولكن عندما اندلعت احتجاجات الشوارع في 17 أكتوبر، التي أشعلتها خطط الحكومة بعد فرضها ضرائب على مكالمات وسائل التواصل الاجتماعي المجانية، اجتذبت الانتفاضة، التي تأتي على غرار ثورات الربيع العربي، الشيعة الساخطين في لبنان مثل كل الطوائف الأخرى. كسر حاجز الخوف ويضيف مقاتل حزب الله: "تم كسر حاجز الخوف. ويرى الناس الحقيقة على وسائل التواصل الاجتماعي، إنهم لا يستطيعون الكذب بعد الآن. لقد هاجم الغوغاء الموالون لحزب الله وحركة أمل الشيعية المتظاهرين في أواخر أكتوبر بالعصي والمواسير المعدنية، ودمروا بعض الخيام في محاولة فاشلة لترويعهم". لكن حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، سعى منذ ذلك الحين إلى تحقيق توازن دقيق، مع توضيح أن حزب الله يتبنى المطالب "المشروعة" للمتظاهرين، ضد الفساد ومن أجل حياة أفضل، وفي الوقت نفسه يقول إن الإطاحة بالحكومة ليست هي الحل. وقال نصر الله إن الأيدي الأجنبية كانت تدير الاحتجاجات، كما أن الأحزاب المؤيدة للغرب الملوثة "تبحث عن الانتقام السياسي وتسوية الحسابات". ولكن ليس هناك ما يخفي حقيقة أن الفوائد، التي تعود على مقاتلي حزب الله ومؤيديه، والتي تم ضمانها لعقود من خلال مبالغ نقدية من إيران، تراجعت في السنوات الأخيرة، حيث قامت كل من إيران وحزب الله بتمويل انتشار عسكري باهظ التكاليف، بخاصة لدعم الرئيس السوري بشار الأسد، وتعرضتا للعقوبات الأميركية الصارمة. لحظة فاصلة يقول الباحث في مركز "أتلانتيك كاونسل"، نيكولاس بلانفورد، مقيم في بيروت وهو مؤلف كتاب "محاربي الله: داخل نضال حزب الله ضد إسرائيل منذ ثلاثين عامًا": إن "حزب الله يواجه واقعا متناقضا في الوقت الحالي". ويضيف بلانفورد أنه على الرغم من أن حزب الله لم يكن أبدًا أقوى عسكريًا أو سياسيًا، فإنه "في الوقت نفسه يواجه مجموعة من الثغرات التي لم يتعامل معها من قبل". إن أحد الأسباب هو التوسع الهائل والسريع الذي قد يصل إلى 25000 مقاتل مدربين تدريباً كاملاً، بعد أن حارب حزب الله إسرائيل في منتصف عام 2006 مدة 33 يومًا، في صراع مدمر وصفه نصر الله بـ"النصر الإلهي". ولعدة سنوات قدمت المجموعة ما بين 3000 إلى 5000 مقاتل فقط، ممن تلقوا تدريبات دينية لمدة عام أو عامين قبل السماح لهم بأن يحملوا سلاحا. وعلى النقيض من ذلك، فمنذ أن بدأ حزب الله تدخله في سوريا في عام 2012، غالبًا ما يحصل المجندون على تدريب عسكري لمدة شهر قبل إرسالهم إلى سوريا، حيث يُطلب منهم استيعاب إيديولوجية حزب الله أثناء القيام بالعمل. نقص في السيولة كما أن هناك نقطة ضعف أخرى تتمثل في النقص في السيولة النقدية، بسبب العقوبات الأميركية، التي تستهدف إيران وحزب الله وارتفاع تكلفة القتال في الخارج، والتي كلفت في إحصاء لحزب الله 20 مليون دولار شهريًا في سوريا. ولكن ردد المنتفضون في الطرقات هتافات تخبر نصر الله: أن "لبنان أهم من سوريا". وربما تكون النتيجة الإجمالية لحظة فاصلة للميليشيا الشيعية، التي تنظر إلى المرشد الأعلى لإيران، علي خامنئي، كمرشد ديني أعلى. وبصرف النظر عن التوسع العسكري والمالي، أصبح حزب الله الآن جزءًا من هيكل حكومي راسخا كان يحتقره لفترة طويلة. يقول بلانفورد، الذي عمل كصحفي مراسل متخصص في تغطية أخبار حزب الله منذ منتصف التسعينيات: "لا أرى حقًا كيف يمكن لحزب الله أن يحرك الأمور في الاتجاه المعاكس"، معربا عن اعتقاده بأن "حزب الله قد بلغ ذروته. إنه كبير جدًا بالنسبة لبلد صغير مثل لبنان". طبقات من التفاني لا يزال هناك الكثير من المؤمنين بقضية حزب الله. إن أحد قدامى المحاربين في حزب الله، منذ 25 عاما، وهو قائد وحدة كان قد قام بجولات متعددة في سوريا وواحدة في العراق، يتجنب مخاطر الاضطرابات الشعبية ويقول: إن حزب الله لم يكن أقوى من أي وقت مضى. للإيديولوجيا دور كبير ويضيف المقاتل الضخم ذو العيون الغائرة، الذي أطلق على نفسه اسم "علي": "إذا فتح حزب الله النار على أشخاص من الذين يقفون ضده في بيروت، فلن يؤثر ذلك على الدعم الأساسي لحزب الله"، مبررا وجهة نظره بأن "مؤيدي حزب الله لن يتزحزحوا. لقد مررنا بأسوأ من هذا، وما زالت المقاومة تحظى بالدعم". ويردف علي قائلا إن أي مقاتل يعتقد أن راتبه الشهري البالغ 600 دولار أميركي قليل للغاية، حر في الذهاب، موضحا: إننا "بصفتنا مقاتلين مخلصين يحصلون على شيكات رواتب، لم نتأثر حقًا كثيرًا. ويقول علي: "لكن مؤيدينا عانوا. تلعب الأيديولوجيا دورًا كبيرًا هنا، فحتى المؤيدين، رغم أنهم متألمون، وأنهم دون مستوى الفقر، لكن في نهاية المطاف عليك أن تفهم أن حزب الله قد عمل بجد عبر السنين على الإيديولوجية، [التي] أؤكد لك أنها قوية وقوية للغاية." لكن يبدو أن ذلك الهيكل العقائدي الشيعي المتميز، والذي يعتبر المقاومة والجهاد واجبا دينيا، يتضاءل بين صفوف المجندين الجدد. يقول علي: "نحن الآن نوظف نوعية مختلفة من الناس، طبقة ثانية، لأننا في حاجة إليهم. إنهم لا يتمتعون بنفس درجة إخلاصنا وولائنا، ولكننا بحاجة إليهم، ونحن نعمل بجد على تأهيلهم، بقدر الانضباط والإيديولوجية". "الخوف ولى" ظل نفوذ حزب الله على معاقله الشيعية لفترة طويلة يغطي المظاهرات العامة للسخط. ولعل هذا هو السبب في اعتبار البعض للاحتجاجات، التي اندلعت في المعاقل الشيعية في منتصف شهر أكتوبر، مثلما كان الحال في جميع أنحاء البلاد، بمثابة علامة. يقول نسرين حمود، متظاهر من مدينة طرابلس السنية الشمالية: "عندما يبدأ الناس في الجنوب بالخروج إلى الشوارع، يكون ذلك عندما تعلم أن الخوف قد ولى. ويردف شارحا: عندئذ "علمنا أنها كانت ثورة حقيقية". تغيير النظام أولوية وعندما طلب الشيخ نصر الله من المؤيدين عدم الانضمام إلى الاحتجاجات، اختار أتباع الشيعة مثل علاء، من مدينة بعلبك الشرقية حيث يتمتع حزب الله بحضور قوي، المثابرة. وصرح علاء لموقع "مونيتور" الإخباري قائلا: إن "أولويات (نصر الله) تختلف عن أولوياتنا. نحن نريد تغيير النظام، وأن نصنع لأنفسنا حياة أفضل ... في حين أن أولويات حزب الله هي الحفاظ على النظام والتأكد من أنهم على علاقة جيدة مع حلفائهم". المقاومة مقابل السياسة إن هذا يعني أن حزب الله ربما يكون عند مفترق طرق تاريخي، لأنه يزن رد فعله على الانتفاضة. ويقول بروفيسور رامي خوري، الأستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت: "إن حزب الله جيد جداً في المقاومة، لكنه ليس جيدًا في السياسة". ويضيف قائلا: "إنها لحظة يتعين فيها على (قادة حزب الله) إعادة تقييم كيف ينخرطون في السياسة على أساس نموذج إجماع يرتكز على الطائفية". ويقول بروفيسور خوري: "إنهم لاعبون محوريون، بل إنهم صانعو الملوك، في ذلك (النظام). وبالتالي، فإنهم يتحملون الكثير من اللوم على كل الحكم السيئ الذي حدث، على الرغم من أنهم لم يتولوا الحكم بأنفسهم. لقد استحقوا الكثير من اللوم، لأنهم سمحوا لشركائهم بأن يكونوا فاسدين للغاية وغير فعالين للغاية، وأن يعاملوا المواطنين باحتقار". إن صلات حزب الله (بمثل هذه الشراكة الفاسدة) يمكن أن تفتت أي قوة عسكرية، كان لا يمكن أن تقع في مثل هذا الخطأ لسنوات عديدة. ويقول بلانفورد، الباحث المتخصص في شؤون حزب الله، إن "حزب الله عندما يتعرض للتهديد، فإنه لا يجيد التعامل مع الأمر. إنهم يميلون إلى استخدام قبضة اليد".

مشاركة :