دمعة في وداع العم جاسم الزياني

  • 11/20/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

هناك أشخاصٌ مميزون ولهم مكانةٌ خاصة في قلوب الناس من خلال أعمالهم وشخصياتهم وعلاقاتهم معهم ما يجعلهم في الذاكرة والأفئدة يفتقدونهم ويسترجعون بعضا من الذكريات الجميلة التي قضوها معهم ويترحمون عليهم ويدعون لهم، ومن هؤلاء الفقيد الوجيه العم جاسم بن الشيخ عبدالرحمن بن عبدالوهاب بن حجي الزياني رئيس مجموعة شركات جاسم الزياني وأولاده والذي انتقل إلى جوار ربه فجر يوم الإثنين الـ7 من ربيع الأول 1441هـ الموافق الـ4 من نوفمبر 2019 م عن عمر ناهز الـ91 عاما ووارى جثمانه الثرى بعد صلاة العصر في مقبرة المحرق. دار بخاطري بعد دفن الفقيد شريطٌ من ذكريات كثيرة عن الفقيد الذى كان يجذب انتباه مستمعيه بعفويته وبشاشته فقد كان مثالا للإنسان الناجح والمبدع والمتواضع والحريص على التواصل مع الناس في مختلف المناسبات حتى أقعده المرض وكان الجلوس معه متعة فقد كنت وغيرى كثيرون نسعد بزيارته وسماع أحاديثه الشيقة والمفيدة؛ لكونه موسوعة من المعرفة وملما بكثير من الأمور ولديه خاصية عجيبة في سرد كثيرٍ من الأحداث والوقائع والتجارب التي عاصرها، وسمع أو قرأ عنها، سواء كانت محلية أو إقليمية أو عالمية بطرق جميلة وسلسة ودقيقة ما يجعل المستمع له يعايش تلك الأحداث والأزمنة والأماكن التي عاصرها الفقيد وعاش فيها، فقد كان الفقيد من عائلة معروفة ولها إسهامات ونشاطات اجتماعية وأدبية وتجارية وتعليمية ودينية وسياسة؛ فقد تعرض جده إلى النفي من قبل السلطات البريطانية عام 1923 وتوفي في بومبي «مومباي» عام 1925، أما والده فقد ولد في فريق الزياينة بالمحرق عام 1890 وقام بكثير من الأعمال التجارية أسهمت في تأسيس شركة عبدالرحمن الزياني وأولاده المعروفة عام 1943 ولد الفقيد في منطقة القضيبية صيف عام 1928 ويعد من أوائل البحرينيين المولودين في مستشفى الإرسالية الأمريكية ودرس في مدرسة الهداية الخليفية في مدينة المحرق، والتي تعد أول مدرسة أهلية نظامية ورسمية، أرسله والده إلى بومبي في سن الرابعة أو الخامسة عشرة وحصل على شهادة الدبلوم في اللغة الإنجليزية والمحاسبة واستطاع بشخصيته وحكمته وحنكته وتفانيه في العمل من إنجاز كثير من الأعمال الموكلة إليه؛ فقد استطاع أثناء دراسته العمل في التجارة مع أخيه أحمد في تصدير البضائع إلى البحرين والتي كانت وغيرها من دول المنطقة تعاني من شح في مختلف البضائع خلال الحرب العالمية الثانية «1939-1945» وقد استطاع الفقيد أثناء تلك الفترة في أن يلم بعدة لغات منها: العربية والإنجليزية والهندية وكذلك الألمانية بعد أن تعامل مع الشركات الألمانية. كما أسهم الفقيد بعد عودته إلى البحرين في تنويع وفتح فروع عديدة لشركة والده في دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية والكويت وخاصة في تجارة السيارات والشاحنات والمصاعد والأجهزة الكهربائية وأسس الشركة الكويتية للسيارات والتجارة وشركة الزياني التجارية في الكويت. كنتُ من المترددين على الفقيد الذي كان من المرحبين بي ويزودني بكم هائل من المعلومات عن الأحداث والوقائع الاجتماعية والتجارية والسياسية التي مرت على المنطقة بشكل عام وعليه بشكل خاص خلال دراسته في مومباي وعمله مع والده وأخويه راشد وأحمد بعد رجوعه إلى البحرين وسفراته العديدة إلى قطر ودبي وأبوظبي والكويت لتعيين وكلاء لهم بعد حصولهم على وكالة سيارات وشاحنات لاندروفر واستين، وقد واجه كثيرا من الأحداث منها الطريفة والمفرحة ومنها الحزينة، كما أن للفقيد الكثير من الإسهامات من خلال عضويته في غرفة تجارة وصناعة البحرين وهناك الكثير من ذكريات عن الفقيد وخبرته لا مجال لذكرها في هذا المقال المختصر ولكنه ذكرها في كتابه بعنوان «شركة الأعمال العائلية - الخبرة العملية والسيرة الذاتية» وقد دونها بكل اقتدار الأستاذ على الصالح عام 2014 عن الفقيد وعائلته وأحوال المنطقة والنمو الحضاري والتجاري في البحرين ودول المنطقة من خلال تناول سيرة الفقيد وشركة عبدالرحمن الزياني وأولاده العريقة والتي بدأت عملها على يد مؤسسها الأول الشيخ عبدالوهاب حجي الزياني ومن بعده ابنه الشيخ عبدالرحمن الذى قام بتوسعتها في عدة بلدان وأشار الكاتب إلى أن الفقيد تأثر بعد وفاة والده بتقسيم الشركة رغم محاولاته العديدة في المحافظة عليها ما أسهم في أن يكون الكتاب مرجعا وثائقيا للباحثين والمهتمين في أمور المنطقة قبل وبعد ظهور النفط من خلال سرد تلك الأحداث والذكريات والأعمال التجارية التي مارستها شركة عبدالرحمن الزياني في المنطقة ومن بعدها شركات الفقيد الخاصة والتي أصبحت تدار من قبل ابنه محمد من مملكة البحرين وابنه نائل من دولة الكويت، وقد كانت للفقيد رؤية مستقبلية مبكرة في أمور عديدة خاصة في الأمور السياحية في داخل وخارج مملكة البحرين وقام مع ابنه محمد بشراء فندق ومرسى ساندز هاربور في بومبانو بيتش بولاية فلوريدا الأمريكية عام 1977 وأصبحا بذلك من أوائل المستثمرين العرب في تلك المنطقة وبعدها قام الفقيد بتأسيس «سوفيتل الزلاق البحرين تالاسا سي وسبا» والذى افتتح في مطلع عام 2011، كما أن للفقيد الكثير من الإسهامات الاجتماعية والإنسانية وأعمال البر والخير؛ إذ قام الفقيد ببناء صالة جاسم الزياني للمناسبات في منطقة عراد بمحافظة المحرق. إن كلمات الرثاء صعبة على كل من عرف الفقيد الذي كان واسع الصدر وشخصية غنية بالإحداث والمعرفة. تعلو ابتسامته المتفائلة والرزينة وجهه البشوش وكان دائما ما يذكر الأقارب والأهل والأصدقاء والمعارف بكل خير ومحبة وخاصة الذين عاصروه وعاشوا معه وشاركهم في الحياة والعمل. زرت الفقيد قبل أسبوع من وفاته في مستشفى الملك حمد فلم تفارقه ابتسامته ومرحه الرزين وتجاذبنا الحديث في عديد من الأمور والموضوعات؛ فقد كان بكل حق ومن دون مجاملة مدرسة تعلمت منها كل ما هو مفيد ورزين. ترك الفقيد لدى كل من عرفه ذكرى طيبة لا تُنسى وإن شاء الله ستبقى ذكراه حاضرة لدى الجميع وإن غاب عن عيوننا فلن تنساه قلوبنا. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وأن يدخله فسيح جنته ويلهم أهله ومعارفه ومحبيه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم اللهم عافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله وزد في إحسانه واغسله بالماء والثلج والبرد وارزقه برد عفوك وجميل لطفك يا رب يا رحيم. yousufsalahuddin@batelco.com.bh

مشاركة :