استشاط الإيرانيون غضبا من تفاقم المشكلات الاقتصادية في ظل العقوبات الأمريكية، حيث يرى كثير منهم أن البنزين الرخيص حق أساس لهم. بحسب "رويترز"، أثارت زيادة سعر البنزين مخاوف من ضغوط أكبر على تكاليف المعيشة. وصارت معاناة الإيرانيين العاديين لتلبية احتياجاتهم المالية أشد بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني الموقع مع الدول الكبرى، وأعاد فرض العقوبات الأمريكية على طهران، وهي العقوبات التي كانت واشنطن قد رفعتها بمقتضى الاتفاق. وتفاقمت خيبة الأمل مع التخفيض الحاد في قيمة الريال الإيراني والزيادات في أسعار الخبز والأرز وسلع أخرى. وانتشرت الاحتجاجات في أنحاء إيران منذ الجمعة الماضي واتخذت منحى سياسيا مع مطالبة المحتجين بتنحي كبار قادة نظام الملالي. وأشارت وسائل الإعلام الرسمية إلى إحراق مائة بنك على الأقل وعشرات المباني والسيارات. ولا يزال نطاق الاحتجاجات التي أشعلها الإعلان عن توزيع البنزين بالحصص وزيادة سعره بنسبة 50 في المائة على الأقل غير واضح، حيث تفرض السلطات قيودا على الإنترنت لمنع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في تنظيم المظاهرات ونشر مقاطع الفيديو. لكن يبدو أن الاحتجاجات هي أسوأ اضطرابات تشهدها البلاد منذ منذ أواخر عام 2017 عندما ضاق ألوف الشبان والطبقة العاملة في أكثر من 80 مدينة ذرعا بفساد المسؤولين وانخفاض مستويات المعيشة وارتفاع معدلات البطالة وزيادة الهوة بين الفقراء والأغنياء. وبعد عامين عاد الغضب واليأس للظهور مجددا نتيجة للأثر الاقتصادي المؤلم لتجدد العقوبات الأمريكية وعدم وفاء الحكومة بوعودها الخاصة بتوفير مزيد من الوظائف والاستثمار. وتمكن بعض الإيرانيين من نشر مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت الشرطة وهي تطلق الغاز المسيل للدموع على المحتجين. يرغب نظام الملالي بشدة في إنهاء الاضطرابات لتفادي إعطاء مبرر للغرب، ولا سيما الولايات المتحدة، لانتقاد الكبار بأنهم فئة فاسدة ولا تخضع للمساءلة. وقالت الحكومة "إن الهدف من زيادة سعر البنزين هو تحصيل نحو 2.55 مليار دولار سنويا لإضافتها إلى الدعم الذي تستفيد منه 18 مليون أسرة محدودة الدخل أي زهاء 60 مليون مواطن". وخوفا من أن يؤدي طول أمد الاضطرابات إلى تقويض شرعية النظام الحاكم في المجمل، تظهر الطبقة السياسية، المنقسمة في إيران، نفسها كجبهة موحدة. وقال مسؤول كبير لـ"رويترز" مشترطا عدم ذكر اسمه "هناك مخاوف من أن يؤدي السخط المتنامي من الوضع الاقتصادي ولا سيما بين أفراد الطبقتين الوسطى والأدنى إلى ضعف الإقبال على المشاركة في الانتخابات". وسيبدأ توزيع المساعدات النقدية اعتبارا من اليوم. بحسب "الفرنسية"، أقرت إيران أمس، أنها لا تزال تواجه "أعمال شغب"، بعد أيام من تظاهرات تخللتها أعمال عنف على خلفية رفع أسعار البنزين. وأغلقت طرق رئيسة وأحرقت مصارف ونُهبت متاجر في الاضطرابات التي تشهدها البلاد التي أدت إلى مقتل شخصين على الأقل. وبث التلفزيون الرسمي مشاهد لأعمال العنف. ونادرا ما يقوم التلفزيون الرسمي ببث أي مظاهر للمعارضة في البلاد. وبدأت التظاهرات الجمعة بعد الإعلان عن رفع سعر البنزين بنسبة 50 في المائة لأول 60 لترا، و200 في المائة لكل لتر إضافي يتم شراؤه بعد ذلك كل شهر. وذكر موقع "نيتبلكس" الذي يراقب حركة تويتر "بعد 40 ساعة من حجب إيران الإنترنت بشكل شبه تام، لا يزال الاتصال مع العالم الخارجي عند نسبة 5 في المائة من المستويات العادية". ولم يتضح بعد الوضع في الشوارع صباح أمس، بسبب انقطاع الإنترنت الذي أدى إلى توقف تدفق فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي لتظاهرات أو أعمال عنف متصلة. ويرزح الاقتصاد الإيراني تحت أزمة منذ أيار (مايو) العام الماضي عندما انسحب الرئيس الأمريكي من اتفاق نووي موقع عام 2015 وأعاد فرض عقوبات مشددة على طهران. ودانت الولايات المتحدة استخدام إيران "القوة القاتلة" ضد المتظاهرين. وقالت ستيفاني غريشام مسؤولة الإعلام في البيت الأبيض في بيان "ندين القوة القاتلة والقيود الصارمة المفروضة على الاتصالات، ضد المتظاهرين". من جانبها، أكدت فرنسا مجددا دعمها حق التظاهر السلمي معربة عن أسفها لوفاة "عديد" من المحتجين. وأعلنت إيران قرارها المفاجئ برفع أسعار الوقود وتقنين توزيعه منتصف ليل الخميس الجمعة، في خطوة تهدف إلى جمع أموال. والقرار الصادر عن المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي المؤلف من الرئيس ورئيس مجلس الشورى ورئيس السلطة القضائية، يأتي في وقت حساس قبيل الانتخابات البرلمانية في شباط (فبراير) المقبل. ونال القرار دعم علي خامنئي مرشد إيران.
مشاركة :