منى المسعودي كنتُ قد نصحتُ امرأةً تشتكي لي من البعد، الذي تعانيه من ابنتها ذات السنوات العشر، وأنها مهما حاولت الاقتراب منها لا تنجح في ذلك، وأنَ هذا الأمر يؤذيها، لأنها ترى أنَ ابنتها تمارس الوحدة على الرغم من وجود أمها في الجوار، ما قلته لها آنذاك لم يتعدَّ هذه العبارة: أمي إنَ ابنتك مثل النبتة، التي لن تثمر، وتنمو بشكلٍ جيد إن لم تتعهديها بالماء، والهواء، وتوفري لها التربة الجيدة، وأقصد بذلك أنها متى ما وفرت لابنتها الكلمة الطيبة، وصادق الاهتمام، فإنها ستجني من ذلك شجرة طيبة، تحملُ أطيب الثمر. لترد علي بالحرف الواحد: «أنا لي عشرون سنة أعطي زوجي يا ابنتي دون نتيجة». في الحقيقة دائماً ما كنت أذكر هذا المثال للأمهات، اللاتي يجهلن معنى أن تكون سلوكيات أبنائنا ما هي إلا ردود أفعالٍ على أفعالنا معهم بالأصل، لكن هذه الأم أثبتت لي هنا أن فاقد الشيء لا يعطيه فعلاً، وأن البيت الذي يهمل فيه الرجل زوجته، مهما حاولت الزوجة تجاوز هذا الإهمال، سيصل هذا الإهمال إلى طفلهما، وهلم جرا. قد يقول قائل هنا الذنب هو ذنب الأب، ويقول آخر الذنب هو ذنب الأم، وإلا لماذا يتعامل الأب معها بهذه الطريقة، أما أنا فأقول: ما ذنب الطفل هنا؟! ولماذا المؤسسات الزواجية اليوم تنتج أعداداً كبيرة من الإنسان، ولكن الإنسان التعيس؟! الأمر المتعارف عليه، الذي يجب الالتفات إليه هنا، هو أن لهذا الإهمال العاطفي للطفل من قِبل الأب والأم تبعاتٌ نفسية، واجتماعية على الطفل، كأن يكون الطفل المعرّض هنا لسوء المعاملة النفسية يعاني من القلق، والاكتئاب، وانخفاض تقدير الذات، وأعراض النزوع للوحدة، ومشكلات الانسحاب والجريمة. من ناحية أخرى، ووفقاً لدراسة جديدة نشرتها جمعية علم النفس الأمريكية في عام 2014، فإن الأطفال الذين يعانون من سوء المعاملة والإهمال، يواجهون مشكلات تماثل المشكلات التي يواجهها الأطفال الذين يعانون من الإيذاء الجسدي والجنسي، وهذا الأمر نادراً ما يتم الانتباه إليه، أو حتى تصديقه، فكيف للطفل المتعرض للإيذاء العاطفي أن يكون مثل الطفل المتعرض للإيذاء الجسدي، والأسوأ من ذلك أن يكون مثل الطفل المتعرض للإيذاء الجنسي، بل إنه، وفي بعض الحالات، تكون حالته أصعب من حالة الأطفال الذين تعرضوا للتعذيب الجسدي، أو الجنسي. والمراد هنا هو: ما الفائدة من وجود الطفل في حياة أبويه طالما أن هذا الطفل مولودٌ ليُعامل معاملة المفقود، لا الموجود، ولماذا نجعل نجعل هذا الطفل بمعاملتنا السيئة له بدل أن نجعله يعي قيمة المهام المنوطة به في المستقبل، عرضةً لأن «يأكل من نفسه بنفسه»، لماذا نجعله في هذا العمر، الذي يجب أن يستمتع به، عرضةً لأن يكبر، ويشيب سريعاً، لماذا نزرع الورد في حدائقنا ثم نتجاهله، ولا نتفاعل معه، ثم نتركه ليموت قريباً ووحيداً؟! ومن لطائف ديننا هو معرفتنا أن الجزاء دائماً من جنس العمل، فمَنْ عانى من الآلام من معاملتك السيئة له في الصغر، لتنطفئ، وتنتهي قيمتك في داخله شيئاً فشيئاً، لا تنتظر منه رعاية، أو صلاحاً في المستقبل، لأنك ببساطة لن تجني من الشوك العنبَ، والعكس صحيح، كما أنه لا خير في الفرع إن فسد الأصل، يقول الله «والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً». وأنا هنا أوجِّه حديثي لكل أب وأم: حاولوا أن تفعلوا شيئاً، فالسماء لا تمطر أطفالاً صالحين، وأسوياء، لكن البذل في سبيلهم، يجعلهم، بعد عون الله وتوفيقه، كذلك، وقد وعدنا الله بأنه لن يظلمنا، لكن الناس من يظلمون أنفسهم وهم يعلمون!. حديثنا في هذا الأمر، وكذلك المآسي التي تجعل المداد يسيل على الورق الأبيض يطول، ويطول، ولكن لعل في الإيجاز عبرة، ولعل مَنْ أراد إيصال ما تقرأونه استطاع ذلك وكان موفقاً. أخيراً: اعرف قيمة ما تفعله!
مشاركة :