أحيا اللبنانيون، أمس، الذكرى السادسة والسبعين لاستقلال الجمهورية، وسط أجواء احتفالية لم تعهدها هذه المناسبة الوطنية، على وقع الاحتجاجات غير المسبوقة التي تعم البلاد، مطالبة برحيل الطبقة السياسية، فيما رفض المحتجون الدعوة، التي جددها الرئيس ميشال عون، إلى الحوار، مؤكدين على مطلبهم بتشكيل حكومة اختصاصيين لإصلاح الوضع المتدهور. وبينما اقتصر الاحتفال الرسمي على عرض عسكري مختصر في مقر وزارة الدفاع، ملأ اللبنانيون شوارع بيروت ومناطق عدة، حاملين الأعلام والورود احتفالاً بما وصفوه بـ«الاستقلال الحقيقي» عن السلطة السياسية التي يحملون عليها فسادها وعجزها عن إيجاد حلول للأزمات المتلاحقة. وقال عون في رسالة وجّهها إلى اللبنانيّين عشيّة الاحتفال بذكرى الاستقلال، بثّتها شاشات التلفزة المحلّية: «إن (التناقضات) السياسية أدت إلى تأخير تشكيل حكومة ترضي تطلّعات الشارع الناقم على الطبقة السياسية والمطالب برحيلها». وأضاف: «أكرر هنا ندائي إلى المتظاهرين للاطلاع عن كثب على المطالب الفعلية لهم وسبل تنفيذها، لأن الحوار وحده هو الطريق الصحيح لحلّ الأزمات». وطالب الرئيس اللبناني خلال إطلالتين أعقبتا انطلاق الحراك الشعبي، المتظاهرين بإيفاد ممثلين عنهم للحوار معهم، الأمر الذي رفضوه، باعتبار أن حراكهم عفوي. ويتمسك المتظاهرون بتشكيل حكومة مؤلفة من اختصاصيين فقط، لإصلاح الوضع الاقتصادي المتدهور. وسارع المتظاهرون في الشارع إلى الرد على خطاب الرئيس، وعمدوا إلى قطع طرق في مناطق عدّة. وقال متظاهر لقناة محلّية أثناء مشاركته في قطع جسر «الرينغ» المؤدي إلى وسط بيروت: «بدلاً من أن يحاسب الفاسدين، يلقي اللوم على الإعلام والمتظاهرين؟». وعلق آخر على كلام الرئيس بالقول: «ألقى علينا وعظاً، لكن ما يهمنا هو معرفة متى موعد الاستشارات». ونال لبنان في 22 نوفمبر 1943 استقلاله عن الانتداب الفرنسي منذ العام 1920، قبل أن يتم جلاء آخر القوات الفرنسية من البلاد في العام 1946. وجراء الانقسامات السياسية الحادة منذ قيام الجمهورية، لا يتفق اللبنانيون على رؤية موحدة للأحداث الكبرى التي طبعت مسار الحياة السياسية على مدى عقود. «وجدنا كرامتنا» وبخلاف السائد خلال السنوات الماضية، لم يستضف وسط بيروت العرض العسكري التقليدي بمناسبة الاستقلال. وتمّت الاستعاضة عنه بعرض آخر مختصر في مقر وزارة الدفاع على مشارف بيروت شارك فيه رئيسا الجمهورية والبرلمان ورئيس الحكومة المستقيل، إلى جانب وزراء وقادة عسكريين وأمنيين. وألغى القصر الرئاسي حفل الاستقبال السنوي الذي يقام عادة بعد العرض العسكري «نظراً إلى الأوضاع الراهنة». واستفاق المتظاهرون صباحاً على إقدام مجهول على حرق مجسم لقبضة عملاقة في وسط بيروت يعدّ «رمز الثورة» منذ انطلاق الحراك الشعبي في 17 أكتوبر، إلا أن ذلك لم يثنهم عن الاحتفال على طريقتهم، عبر تنظيم مسيرات ونشاطات متنوعة في بيروت والمناطق. وقالت تمارا، البالغة من العمر 21 عاماً، وهي طالبة جامعية، في وسط بيروت: «لأول مرة يتظاهر اللبنانيون من جميع المناطق من دون دعوة وجهها إليهم حزب ما، وضد الأحزاب مجتمعة»، مضيفة: «هذا هو الاستقلال الحقيقي، الاستقلال النابع من الداخل». ومع خروج مئات آلاف اللبنانيين إلى الشوارع والساحات ضد الطبقة السياسية منذ خمسة أسابيع، رأى وجد عواد، البالغ من العمر 28 عاماً، أنه بات لعيد الاستقلال معنى جديد، وقال: «نريد أن نأخذ استقلالنا من سلطات فاسدة تتحكم بنا منذ سنوات وسنوات». وقالت ليلى، سيدة في الخمسينيات، وهي تطرق طبقين معدنيين أحدهما بالآخر: «كانت أقدام السياسيين على رؤوسنا، ومع أن جيوبنا ما زالت فارغة، لكننا وجدنا كرامتنا». وبعد أسابيع من استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري تحت ضغط الشارع، لم يحدد رئيس الجمهورية ميشال عون موعداً لبدء استشارات نيابية لتسمية رئيس حكومة جديد، في ظل انقسام سياسي كبير حول شكل هذه الحكومة التي يريدها عون «تكنوسياسية». المغتربون يحتفلون ورغم سعي السلطة للالتفاف على مطالبهم، يحتفظ المتظاهرون بأملهم في التغيير، وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي دعوة للمواطنين كي يضيئوا ما لديهم من أنوار وشموع في ساحة الشهداء وعلى شرفات منازلهم، عند السادسة مساء بالتوقيت المحلي. وفي مدينة صيدا جنوباً، ينظم المتظاهرون تحركات عدة تحت شعار: «الاستقلال ليس فقط عن الانتداب، الاستقلال أيضاً عن الظلم والسرقة والفساد والفقر». وجذبت احتفالات الاستقلال لبنانيين مغتربين قرروا المجيء إلى بيروت، بعضهم بمبادرة فردية وآخرون ضمن حملة أطلقتها مجموعة ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي. وتقول ترايسي سعد، البالغة 23 عاماً، من منسقي الحملة وهي مقيمة في أمستردام: «نظمنا أنفسنا في مجموعات للتفاوض على أسعار مخفّضة»، لافتة إلى انخفاض أسعار بطاقات السفر بسبب الحملة. باريس تحشد الأسرة الدولية لمساعدة بيروت أفاد مصدر دبلوماسي فرنسي بأن فرنسا تحاول تعبئة الأسرة الدولية لمساعدة هذا البلد على الخروج من أزمته، لكنها لن تفرض حلولاً «جاهزة أو خارجية». وقال المصدر لصحافيين: «نحن هنا لنكون طرفاً مسهلاً للتعبئة الدولية»، مشدداً على «الدور الخاص لفرنسا على الصعيد الدولي وفي العلاقة مع لبنان». وفي منتصف نوفمبر، زار كريستوف فارنو، مسؤول شمال أفريقيا والشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية، بيروت ثلاث مرات للقاء مسؤولين سياسيين منهم الرئيس ميشال عون. وأضاف المصدر: «كما تحدثنا إلى اللبنانيين الآن علينا التحدث إلى الجميع، وعلينا إشراك دول عربية وأوروبية وكذلك الأمم المتحدة، وبعبارة أخرى: نتحاور مع الجميع». ونظم تجمع أمام السفارة الفرنسية خلال زيارة الموفد كريستوف فارنو احتجاجاً على «تدخل أجنبي» محتمل. إلى ذلك، أعلنت الخارجية الأميركية التزامها بمستقبل أكثر إشراقاً للبنان. وقال وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في بيان بمناسبة ذكرى الاستقلال في لبنان: «نظل ملتزمين بمستقبل أكثر إشراقاً للبنان، ونقف بفخر مع الشعب اللبناني في مظاهراته السلمية التي تدعو إلى الإصلاحات ووضع حد للفساد». وأكد أن الولايات المتحدة مستعدة للعمل مع حكومة لبنانية جديدة تستجيب لاحتياجات مواطنيها، ولديها القدرة والإرادة السياسية لبناء لبنان مستقر. رفع مجسم جديد للثورة في ساحة الشهداء رفع المتظاهرون اللبنانيون، أمس، مجسماً جديداً لقبضة الثورة في ساحة الشهداء وسط بيروت، بعدما أقدم ملثمون على إشعال النار في المجسم القديم في وقت مبكر من صباح أمس. ولاذ الملثمون المجهلون بالفرار، حسبما أفاد شهود عيان. والمجسّم الجديد مكوّن من الحديد، ورفعه الشباب مكان المحترق.
مشاركة :