يقول بولس الرسول: «لأنَّ حُبَّ المالِ أصْلُ كلِّ شر، وقد استسلم إليه بعضُ الناس فَضَلُّوا عن الإيمان وأصابوا أنفسهم بأوجاعٍ كثيرة» (1 طيموتاوس 10:6). كم من الأشخاص الذين يتوكلون على أموالهم من دون الله، حتى يصيروا عبيداً لها ويمتنعوا عن مساعدة الفقير والمحتاج؟ كم من الأشخاص الذين يلهثون وراء سعادة مزيفة نتيجة التأمل فى بريق الذهب والمال بطمعٍ طالبين المزيد والمزيد؟ هؤلاء تجاهلوا أن الذهب والمال يورثان الغمّ والهمّ للذين صاروا عبيداً لهما، وكل همهم البحث عنهما لاكتسابهما واختزانهما، فإذا توفرا، ولّدا الطمع للإكثار منها دون شبع. يُحكى أن رجلاً غنياً جلس مع ذاته متساءلاً: «ماذا أنتفع بكل هذا الغنى وأنا أشعر بفراغٍ شديد فى داخلى؟ ماذا ينقصنى؟ ماذا تطلب نفسى لتستريح؟». فذهب إلى رجلٍ حكيم يشكو له مشاعره الدفينة طالباً منه المشورة، فأخذه الحكيم نحو النافذة ليتطلع كلاهما من الزجاج تجاه السماء. ثم سأله الحكيم: «ماذا ترى؟» أجابه: «أرى السماء بزرقتها وجمالها الخلاّب»، فقال له الحكيم مرة أخرى: «انظر إلى الطريق، ماذا ترى؟. أجاب الغَنى: «أرى أُناساً كثيرين». ثم قدّم الحكيم مرآة ثمينة له، وسأله: «ماذا ترى؟» أجاب: «أرى وجهى». عندئذٍ قال الحكيم: «مِنْ خلال الزجاج الشفاف الرخيص ترى السماء بجمالها والناس إخوتك؛ أما خلال المرآة الثمينة فلا ترى سوى وجهك، لأن لمعان وبريق الغِنَى والذهب يحجبان عنك رؤية السماء ببهائها والتطلع إلى وجوه الناس، لتنشغل فقط بوجهك وحدك، وتنحصر فى سجن الأنا القاتل. هذا ما تفعله محبة الغِنى».لا توجد رذيلة فى حياة الإنسان أشر من البخل بالرغم من غناه ورزقه، لأن هذه الرذيلة تجلب له التعاسة والأنانية وحزن الله لما يقوم به من حرمان للآخرين المحتاجين، كما أنه يصطدم ببعض الناس له، كما أن الشخص البخيل يقوم بهذه الرذيلة تجاه ذاته ويفسد حياته وآخرته، وكما يقول المثل اللاتينى: «ليس شقاء أعظم من أن تتمنى للبخيل عمراً طويلاً». ماذا يفيدنا المال الذى نتكل عليه فقط ونستغنى به عن الله واهب الحياة وكل شىء؟ وما السعادة التى نحصل عليها حينما نخون الآخرين فى سبيل الحصول عليه حتى أنه يورثنا الغمّ والهمّ؟ هل نسينا أن الفقير المحتاج والمريض العاجز واليتيم وغيرهم هم أخوة لنا؟ إنهم خير دليل على وجود الله بيننا، لأن ما نقوم به نحوهم من خير وإحسان، إنما نعمله لشخص الله ذاته، الذى لا يتركنا بدون مكافأة عظيمة، حتى لأقل عمل نقوم به نحوه، وكما يقول السيد المسيح: «ومَنْ سقى أحَدَ هؤلاء الصِّغار، ولو كأسَ ماءٍ باردٍ لأنَّه تلميذ، فالحقَّ أقولُ لكم إنَّ أجرَه لن يضيع» (مت42:10)، كما أن محبة هؤلاء المحتاجين والعطف عليهم تفجّر السعادة والَبَركة فى حياتنا. ومما لا شك فيه أن الذين يحبوّن الله، يفضّلون مساعدة الفقراء على رفاهيتهم، ويضحّون بأشياءٍ كثيرة فى سبيل سعادة المحتاجين وسدّ حاجتهم، لأن المحبة الصادقة تفتح القلوب والبصيرة، فترى ما لا يراه الذين لا يحبّون، لأنها تساعدنا على رؤية الله فى شخص المحتاج والفقير والمريض، فكيف لا تفضّل الله على النفس؟ لا نستطيع أن نتخيّل كيف ستصبح حياتنا وحياة الآخرين، إن قمنا بتضحياتٍ حتى وإن كانت بسيطة فى سبيل الآخر ومحبته واحترامه ونحمل السعادة إلى قلب المعذّبين والمحرومين. لكن مَنْ يتحجّر قلبه ولا تتحرك مشاعره تجاه المحتاج والفقير والمريض العاجز، حينئذٍ تتبرأ منه الإنسانية، ويُحزن قلب الله نتيجة قسوة قلبه نحو الآخرين، لأن الله أوصانا بالرحمة والعطف والمساعدة. كم من الأشخاص الذين وضعوا كل آمالهم وأحلامهم فى جمع المال، واستنزفوا فى جمعه حيويتهم وعمرهم وحياتهم، لكنه خيّب أمانيهم وجلب لهم الشقاء والعذاب والأنانية! إذاً فالمال هذا المعبود القاسى، يعمى أعيننا ويطفئ نار المحبة فى قلوبنا، ويصم آذاننا، ويشل تفكيرنا، لأنه لا يكتفى بحرماننا من هناء الحياة وسعادتها الحقيقية؛ ولكنه يعرّضنا أيضاً لفقدان الحياة الأبدية ولحزن الله الذى أهملناه سعياً وراء جمعه. إذاً ما العمل؟! يجب أن نبدأ فى قتل الروح القابع فى داخلنا، روح الطمع والجشع والأنانية، ثم نبدأ فوراً فى العطف والتصدّق على الغير، وعندما نفعل ذلك سنصبح أبناء الله ونعيش فى سلامٍ مع الآخرين وتعمّ السعادة فى الأرض كلها. ونختم بالقول المأثور: «المال مولاك، ما أمسكته طمعاً ... فأنفقه فى الخير، تصبح أنت مولاه».
مشاركة :