هذا العنوان المكتنز بالوعود هو عنوان المبادرة المجتمعية الكبرى التي ينظمها مركز الملك عبدالعزيز الثقافي في شركة أرامكو، والذي يهدف من خلالها إلى تشكيل مجتمع سعودي معرفي، تنشط فيه الأفكار الإبداعية والقراءة والشغف بالمعرفة والعلوم. وأعتقد تكرار كلمة الشغف القرائي في الكتيب التعريفي للمبادرة كثيمة متصلة، هي الروح التي تنتظمها، فالقراءة هي نشاط يختزل عدداً لا يحصى من المتع، بل هي نزهة في عقل الكون، أو نزهة في عقل الرجال كما وصفها يوماً ما الخليفة العباسي المثقف المأمون. وفي نفس الوقت هي أول بوابات المعرفة وأهمها، قد تبدو لوهلة بوابة عامة يلجها الجميع، ولكن تركيبتها وممراتها تأخذنا نحو ممارسة إنسانية حميمة ومعقدة، وخلوة خاصة، لا تتحقق في أي مكان آخر بين الكتاب ومنظومة أفكاره من جهة وبين القارئ، ومن هنا تأتي قوة القراءة وسطوة هذا الحديث السري الهامس على العقول، وانعكاس تلك التجربة على حقول الأفكار، عبر اقتحام مكامنها من ناحية، وتقليب تربتها وتخصيبها بالمدهش والمستفز للمسلمات القديمة والتقليدية، لذا قال المفكر الفرنسي أندريه جيد (عندما ألتقط كتاباً جديداً من على رف المكتبة، فإنني أعلم حينما أعيده بأنني لن أكون الشخص نفسه عندما أعيده مرة أخرى). وأعتقد أن هذه الممارسة الجليلة يجب أن تنفتح على جميع الآفاق وتنهل من مختلف اليانبيع، وتؤسس كممارسة مبكرة جداً في حياة الأفراد، أرجعها بعض علماء التربية إلى ماقبل حكايات المهد. القراءة هي الممول الأول لأدوات تؤهل الأفراد في المغامرة الحياتية الكبرى، والقارئ المشاكس الذي لا يقبل بالمتاح وتأنف نفسه من الإناء التقليدي الذي شرب منه الجميع، يحتاج إلى منظومة أجوبة خاصة، حتما ستتحول لاحقاً إلى قفزات شاهقة في مجال الإبداع البشري. كنت الأسبوع الماضي أحد أعضاء لجنة التحكيم في مسابقة اقرأ، التي انطلقت من أرامكو وشملت عموم المملكة، وكانت تجربة مذهلة ومثرية على المستوى الشخصي لعدة أسباب أولها بعد مقابلتي نماذج مذهلة من قراء المرحلة الجامعية حيث التوقد والذكاء وشغف المعرفة جعل حالة من الزهو والفخر تستغرقني بنماذج وطنية حتما سيحلق الوطن بأجنحتها نحو المستقبل، نماذج تتجاوز النمط الاستهلاكي الرخيص الذي يعتقل الشباب في الدرك الغرائزي، ليسمو بهم نحو آفاق المعارف الإنسانية. مبادرة أرامكو للتشجيع على القراءة تنهي عامها الثالث، وباتت موحية ومؤثرة في محيطها فجامعة الدمام تبنت مبادرة مشابهة اسمها(القراءة إلهامنا) وأيضا جامعة تبوك لها مبادرتها الخاصة اسمها (تبوكنا تقرأ)....والباقي والمتوقع حتماً أجمل... السؤال الآن لماذا فقط أرامكو هي من تتبنى هذا المبادرات الشبابية الخلاقة؟ أين وزارة التعليم؟ أين وزارة الثقافة والإعلام؟ أين المؤسسات المعنية بالشباب عن هذا النوع من المبادرات الاجتماعية الجادة والمسؤولة. لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net
مشاركة :