منبر الحرمين: ضعف المسلمين يؤدي إلى تسلُّط عدوهم عليهم وزيادة بطشه

  • 5/16/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

مكة المكرمة الشرق أكد إماما وخطيبا المسجدين الحرام والنبوي أمس أهمية إدراك حجم عداوة من لا يحبنا ولا يهمه أمرنا، وإدراك السبل والوسائل التي يحاربنا بها عدونا وضرورة أن نضع محلها الوسائل الإيجابية مع الرجوع إلى الله وتحقيق الألفة والعزيمة والتغلب على الهوى والرغبة الشخصية وتقديم مصلحة الإسلام والمسلمين على كل مصلحة دونها، وأن ضعف النصرة بين المسلمين يؤدي إلى تسلط عدوهم وزيادة بطشه بالتنكيل بالآمنين وإذلال الموحدين وسلب الأرض وانتهاك العرض. إدراك الوسائل وقال إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور سعود الشريم إن إدراك حجم الوسائل التي يحاربنا بها أعداء بلداننا أو ديننا أو ثقافتنا لهو من الضرورة بمكان، ويجب ألا يضيق فهمنا وإدراكنا على تفسير قوتهم وغلبتهم بوسيلة الحرب فحسب، كلا فتلك نظرة ضيقة وفهم قاصر لهذا الواقع المؤلم، بل لقد تعدى مدى الوسائل حتى شمل آفاقاً متعددة نراها في الثقافة والمشاعر والإعلام والفكر، بل لقد أصبحت الكلمة والصورة والخبر والصحيفة والبث الفضائي أدق الوسائل إلى غاياتهم المرسومة؛ إذ تفتك بالأمة فتك السهام بلا قوس ولا وتر، فتطعن بغير سكين وتقتل بغير سلاح وتأسر بلا حرب وتحكم بلا مبدأ. وأضاف: إذا كانت هذه هي وسائلهم السلبية، فأين نحن من الوسائل الإيجابية. وإذا كانت هذه هي هممهم الدؤوبة، فلماذا هممنا خواء وغاياتنا هواء وعزائمنا غثاء؟ لماذا تمس أصابعهم الأشياء فتنجح وتمسها أصابعنا فتضطرب؟ إن مستقبل المسلمين ينبغي أن يُزرَع في بلادهم وعلى أرضهم بأخلاقهم وفكرهم وقوتهم، وأن يكفوا عن صفات التسول بكل صنوفه في طاقاتهم وإعلامهم وثقافتهم، وألا يضيعوا في تيه العقل الذي يُشحَذ ولا يؤسس فينحى حينئذ عن القيادة والريادة قسراً ولات ساعة حيلة. الائتلاف والتآخي وبيَّن أنه كان لزاماً على أمة الإسلام أن تدرك أمرين جد عظيمين، تحمل عليهما الضرورة تارة ويهدي إليهما الدين تارات أخرى، بل كل منهما يستلزم الآخر ويستصحبه استصحاباً حثيثاً، والأمران هما الائتلاف والتآخي بلا تفرق واختلاف وعلو الهمة لبلوغ الأرب في الرفعة والريادة دون استكانة أو خنوع لغير الله سبحانه وتعالى. بهذين الأمرين تنمو الأمم فتعظم فتسود ما شاء الله أن يحيا فيها هذان الأمران، وأنه متى رؤي من أمة الإسلام ميل صادق إلى الوحدة والتمكين، فإن العاقبة لها ما من ذلك بد، فتلك هي السنة الكونية والدينية. وأردف يقول: إن كل الرزايا التي تحل بأقطار المسلمين وتضع من أقدارهم ما كان قاذفهم ببلائها وراميهم بسهامها إلا افتراقهم وتدابرهم الذي نهاهم الله عنه ونهاهم عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، ولو أنهم أدوا تلك الحقوق التي تطالبهم بها كلمة الله العليا وتطمئن قلوبهم بذكرها لما كان للغريب مجال لأن يمزق شملهم كل ممزق، أو أن يلمع سلاحه عدواناً وظلماً في وجوههم بعد أن كانت أقدامهم في صياصيهم وأيديهم على نواصيهم ردحاً من الزمن، هل يود المسلمون أن يعمِّروا مئات السنين في الضعف وهم يعلمون أن ازدراء الحياة وزخرفها والزهد فيها هو دليل النفس المؤمنة؟ أيرضى المسلمون وقد كانت كلمتهم هي العليا أن يضرب عليهم الخوف والجوع وأن يقذف في قلوبهم الرعب وتبلغ قلوبهم الحناجر ويظنوا بالله الظنونا؟، وأن يستبد في ديارهم وأموالهم وأرضهم التي استنشقوا هواءها من هو أجنبي عنهم ديناً وخلقاً وسياسة أو من لا يرقب فيهم إلَّاً ولا ذمة بل أكبر همه العبث والتشريد والتفريق والقتل والظلم حتى يخلي منهم أوطانهم التي خلقوا فيها ورُبُّوا على ثراها ثم يضرب القرعة بين المقتسمين أرضهم وأموالهم!. تحذير وتوقيف وقال: إن هذا الترابط والتآخي والحض عليه من قبل الشارع الحكيم لم يترك هكذا دون سياج يحاط بتحذير وتخويف، بل أُتْبِع بالنهي عن ضده وهو الاختلاف والتدابر والخروج من دائرة المؤمنين الجامعة؛ حيث توعد الله الواقع في ذلكم بقوله «ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولِّه ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا»، هذا هو موقف الدين الإسلامي من العنصر الأول الذي هو الائتلاف والتآخي الموافقان للهدي السماوي الإلهي. وأوضح أنه من تصفَّح تاريخ الأمم والشعوب وتأمل واقعها من خلال كتاب الله وسنة رسوله ومصادر التاريخ المسطَّرة، وجد أن حظ الأمم والشعوب من الوجود على مقدار حظها من الوحدة، ووجد مبلغها من العلوّ والهيمنة على قدر تطلعها إلى التمكين في الأرض لإثبات وجودها، كما وجد أيضاً أنه ما انحرف قوم عن بلوغ ما ذُكِر وألهاهم بما بين أيديهم وأوقفهم على أبواب ديارهم ينتظرون طارقهم بالسوء إلا بعد ما رزئوا بالاختلاف والافتراق ودنوّ الهمة والحطة والشقاق والرضا بالحياة الدنيا من الآخرة «وما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل». امتحانات للنفوس أكد إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالباري الثبيتي أن الأمة ابتليت بمن يتحالف مع عدو أمته ويشهر سيف الغدر على بني جلدته ويزرع الفتنة ويمكِّن للانقلاب والفوضى طمعاً في منصب رئاسي، يعلق أوسمة الخزي والعار ولو على جماجم الأبرياء وأشلاء الأطفال. وتساءل: وكيف يأمن الناس من خدع شعبه وخان وطنه واستنصر أولياء الباطل على قومه وجيرانه، وآخر يقتل شعبه بالقنابل الحارقة والبراميل المتفجرة والغازات السامة، في سوريا الصبر والإباء. مشيراً إلى أن هذه الأحداث تأتي امتحاناً للنفوس وتمحيصاً للصفوف ليعلم الله من ينصر المظلوم ومن يردع الظالم ومن يتمسك بالحق في وجه الباطل، قال الله تعالى «وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُره وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ». ولفت إلى أن الولاية مع المستضعفين قائمة والنصرة لهم واجبة، والمسلمون في كل بقاع الأرض هم جزء من جسد الأمة الكبير بحكم أخوة الإسلام، فلهم حق المعاونة والمعاضدة ودعمهم بعناصر القوة لتقوية الضعيف وحفظ الدين والنفس والعرض، مبيناً أن النصرة فريضة شرعية وضرورة دنيوية، فقد غدا العدوان على الإسلام والكيد له سمة العصر في صور متعددة ومظاهر متنوعة. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا». وأشار إلى أن ضعف النصرة بين المسلمين يؤدي إلى تسلط عدوهم وزيادة بطشه بالتنكيل بالآمنين وإذلال الموحدين وسلب الأرض وانتهاك العرض، مبيناً فضيلته أن الفساد الكبير والفتنة المشتعلة في أراضي المسلمين أساسها التفريط في مبدأ النصرة، قال الله تعالى «وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ». وأكد الثبيتي أن من تقاعس عن مد يد النصرة لمظلوم ذلَّ في دنياه وخسر في أخراه، فقد جاء النهي عن خذلان المسلم والتنصل من نصرته.

مشاركة :