تشهد منطقة قارة أمريكا اللاتينية أيضا منذ التسعينيات تحسينات طويلة الأجل في التنمية البشرية بفضل زيادة الإنفاق الاجتماعي كنسبة من إجمالي الناتج المحلي في جميع البلدان. ويسرت زيادة الإنفاق الاجتماعي التوسع في خدمات التعليم والصحة وغيرها من الخدمات الاجتماعية. ويمكن وصف هذه التحسينات باعتبارها إحدى "ثمار الديمقراطية"، لأنها تلت العودة عريضة القاعدة إلى الديمقراطية في أمريكا اللاتينية في الثمانينيات. وكان من أبرز التغيرات الاجتماعية المفيدة التي حدثت خلال العقد الماضي حدوث خفض كبير في الفقر وما اتصل به من تحسينات في أسواق العمل وتوزيع الدخل. وتشير بيانات من اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي التابعة للأمم المتحدة، ومنظمة العمل الدولية إلى أن البطالة في المنطقة انخفضت من 11.3 في المائة عام 2003 إلى 6.2 في المائة عام 2013. وانخفض توظيف العمالة في القطاع غير الرسمي الذي تشتغل فيه العمالة في أنشطة منخفضة الإنتاجية، إما بصورة مستقلة أو في شركات صغيرة للغاية من 48.3 في المائة من مجموع توظيف العمالة عام 2003 إلى 44.0 في المائة عام 2014، وزادت نسبة السكان العاملين في عمر 15-64 بنسبة 4.6 نقطة مئوية. وكان هناك أيضا تحسن ملحوظ في توزيع الدخل في معظم بلدان أمريكا اللاتينية، وهو ما لا يتناقض فحسب مع تاريخ المنطقة وإنما يمثل أيضا خروجا على الزيادة العالمية المعممة نسبيا في تفاوت الدخل في الأعوام الأخيرة، وقد أسفر هذا التضييق في التفاوت إلى جانب النمو الاقتصادي عن خفض ملحوظ في مستويات الفقر وزيادة حجم الطبقة المتوسطة. وفي عام 2002، كانت النسبة المئوية لسكان أمريكا اللاتينية الذين يعيشون في الفقر أعلى من نسبتهم عام 1980، وفقا لبيانات اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، إلا أن نسبة الفقراء تراجعت بمقدار 16 نقطة مئوية على مدى العقد التالي: وكان ما يقرب من نصف هذه النسبة يمثل خفضا في الفقر المدقع. وكانت الحالة الوحيدة المماثلة لانخفاض مستويات الفقر قد حدثت في السبعينيات، بفضل النمو الاقتصادي السريع الذي تحقق في ذلك الوقت، ومع تراجع الفقر، نمت الطبقة المتوسطة "الأشخاص الذين يعيشون على دخول تراوح بين عشرة و50 دولارا يوميا، حسب تعريف البنك الدولي من نحو 23 إلى 34 في المائة من السكان. ومع ذلك، ينبغي النظر إلى هذه التحسينات الاجتماعية بحذر فالقطاع غير الرسمي في سوق العمل لا يزال مهيمنا في كثير من البلدان. وكانت التحسينات في توزيع الدخل في معظمها جزءا من انعكاس مسار التفاوت المتزايد خلال الثمانينيات والتسعينيات. وحتى مع حدوث تحسينات في تفاوت توزيع الدخل، لا تزال معدلات تفاوت الدخل في أمريكا اللاتينية من أسوأ معدلات توزيع الدخل في العالم. وعلاوة على ذلك، فإن إتاحة التعليم والرعاية الصحية على نطاق أوسع لم تصاحبها تحسينات في جودة الخدمات. وعلى سبيل المثال، يشغل طلاب أمريكا اللاتينية ترتيبا متأخرا في برنامج تقييم الطلاب الدوليين التابع لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي. وتمثل جودة التعليم ضرورة لا غنى عنها لتطوير المجالات المعقدة تكنولوجيا التي تنتج السلع والخدمات عالية القيمة اللازمة للعودة إلى النمو الديناميكي في أمريكا اللاتينية. على عكس العقد المزدهر الذي انتهى عام 2013، كان الأداء الاقتصادي الأخير لأمريكا اللاتينية ضعيفا، فقد انخفض النمو بصورة حادة عام 2014 إلى 1.1 في المائة فقط ليزيد بالكاد على نمو السكان المنخفض حاليا في المنطقة البالغ 1.0 في المائة، ويتوقع أن يستمر بمعدل مماثل أو أدني عام 2015، وفقا لكل من صندوق النقد الدولي واللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. وتراجع الاستثمار أيضا عام 2014، واستمر تراجعه عام 2015. ولم تتزحزح نسب الفقر عن مستويات 2012، وعلى الرغم من عدم توافر بيانات موثوقة تماما حتى الآن، إلا أن ذلك يصدق فيما يبدو أيضا على توزيع الدخل. وظلت مستويات البطالة منخفضة إلا أن نسبة السكان في عمر العمل الملتحقين بوظائف، انخفضت عام 2014. إلا أن هناك فروقا إقليمية كبيرة في التطورات الأخيرة في أمريكا اللاتينية، فالتباطؤ الحاد في النشاط الاقتصادي هو بالأساس ظاهرة في أمريكا الجنوبية، التي قومت بمعدل 0.6 في المائة في 2014 مقارنة بنسبة 2.5 في المائة في المكسيك وأمريكا الوسطى. وعلاوة على ذلك، دخلت فنزويلا في ركود حاد في عام 2014، وتوقع زيادته عام 2015، وتوقع أيضا أن يشهد أكبر اقتصادين في أمريكا الجنوبية، الأرجنتين والبرازيل، ركودا معتدلا عام 2015، بحسب صندوق النقد الدولي. وواصلت معظم البلدان الأخرى في أمريكا الجنوبية النمو لكنها شهدت تباطؤا عام 2014 "شيلي وإكوادور وبيرو وأوروجواي "كولومبيا". والاستثناءان هما بوليفيا وباراجواي اللتان توقع أن تواصلا النمو بمعدل 4.0 في المائة أو أكبر عام 2015. وفي الجزء الشمالي من المنطقة، توقع أن تنمو المكسيك، وإن كان بمعدل باهت بعض الشيء، 2.1 في المائة عام 2014 و3.0 في المائة حسب التوقعات عام 2015. ويعد ذلك استمرارا للنمط الفاتر لاقتصاد الجزء الشمالي من أمريكا اللاتينية، الذي نما بمعدل متوسطه 2.6 في المائة في الفترة بين عامي 2004 و2013، وهو ثاني أدنى معدل في أمريكا اللاتينية. ومن ثم، ففي الجزء الشمالي من أمريكا اللاتينية، فإن أمريكا الوسطى "عدا السلفادور وهندوراس" والجمهورية الدومينيكية هما من تصر أداؤهم الاقتصادي.
مشاركة :