أوقات عدم اليقين وقضايا الاقتصاد «3 من 3»

  • 11/30/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

على الرغم من استمرار وجود بعض نقاط القوة، إلا أن منطقة أمريكا اللاتينية أقل قدرة مما كانت عليه في عامي 2008 و2009 على مواجهة الصدمات الخارجية المعاكسة، مثل تراجع أسعار السلع الأولية أو التغيرات في السياسة النقدية الأمريكية. ولا تزال إحدى نقاط القوة للمنطقة انخفاض نسب الدين الخارجي ورغم أن نسب الدين بدأت تزيد، إلا أنها تظل منخفضة إذا استثنينا حساب احتياطيات النقد الأجنبي. ومع بعض الاستثناءات، فإن هذا المركز الجيد لصافي الدين يتيح للبلدان إمكانية النفاذ إلى الأسواق الرأسمالية الخاصة، ويسمح كحد أدنى لمعظم السلطات النقدية بتجنب السياسات الانكماشية عند إدارة الصدمات الراهنة. لكن بسبب تزايد الاختلالات الخارجية "خصوصا حدوث عجز في الحساب الجاري" وفي بعض الحالات تزايد التضخم أصبح مجال المناورة المتاح للسلطات النقدية أضيق مما كان متاحا لها خلال الأزمة المالية 2008 - 2009. وفعليا اضطرت بعض البلدان، ولا سيما البرازيل، إلى رفع أسعار الفائدة لمواجهة تزايد التضخم. وفوق ذلك كله، أدت زيادة الإنفاق الحكومي في الأعوام الأخيرة إلى تقييد قدرة أمريكا اللاتينية على استخدام سياسة المالية العامة لدعم النمو في الاقتصادات التي تضررت من تراجع الطلب الدولي. وفي المتوسط توقفت المنطقة عن تسجيل الفوائض في موازين المالية العامة الأولية "الدخل مخصوما منه الإنفاق قبل مدفوعات الفائدة" التي كانت تتمتع بها قبل وقوع الأزمة. إلا أن الخطر الأكبر يأتي من الحساب الجاري - ميزان المدفوعات. فعلى الرغم من معدلات التبادل التجاري المواتية للغاية "أسعار الصادرات نسبة إلى أسعار الواردات"، إلا أنه لا تزال المنطقة تسجل عجزا في حسابها الجاري "الذي يقيس بدرجة كبيرة الفرق بين صادرات وواردات السلع والخدمات، أو على نحو معادل، مقدار مجملات الإنفاق التي تتجاوز قيمة الدخل القومي". وأحد سبل فهم ذلك هو أن يطرح من الحساب الجاري المكاسب المتحققة في قيم الصادرات المتولدة عن تحسن معدلات التبادل التجاري مقارنة بسنة سابقة لطفرة في السلع الأولية "2003". وباستخدام طريقة التقدير هذه يتبين أن أمريكا اللاتينية استفادت من تحسن معدلات التبادل التجاري بمقدار يعادل نحو 7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في الفترة 2011 - 2013. إلا أن المنطقة لم تقم فقط بإنفاق كل تلك المكاسب، بل إنها سجلت عجزا في الحساب الجاري. ويعني ذلك أن المنطقة أنفقت في الواقع مقادير أعلى من تلك التي جاءت بها طفرة السلع الأولية. وتشير تقديرات أخرى إلى أن الإنفاق الزائد كان أعلى حتى من ذلك. ورغم أن انخفاض قيم كثير من عملات المنطقة في الآونة الأخيرة سيساعد في نهاية المطاف على خفض عجز الحساب الجاري "بزيادة ربحية الصادرات وتكلفة الواردات"، فإن تحسن الحساب الجاري في الأجل القصير سيتأتي في الدرجة الأولى من خفض الواردات، نتيجة تباطؤ النشاط الاقتصادي. ويعزى التغير الحادث في حظوظ أمريكا اللاتينية بدرجة كبيرة إلى تبدل الأوضاع الخارجية الحميدة التي عززت الطفرة. ويعزى الأداء المتميز في الفترة من عام 2004 إلى منتصف عام 2008 إلى أربعة عوامل خارجية إيجابية توافق حدوثها بصورة استثنائية في وقت واحد وهی: سرعة نمو التجارة الدولية، وحدوث طفرة في أسعار السلع الأولية، وتوافر قدرة كبيرة على النفاذ إلى التمويل الخارجي، وفرص الهجرة وتزايد التحويلات التي يرسلها المهاجرون إلى الوطن. وقد اختفى اثنان من هذه العوامل الإيجابية: فرص الهجرة وسرعة توسع التجارة العالمية، إلى الأبد على الأرجح، نتيجة للأزمة المالية في الاقتصادات المتقدمة. وقد زادت محدودية فرص الهجرة إلى الولايات المتحدة عنها قبل الأزمة، وأدى ارتفاع البطالة في إسبانيا إلى عودة كثير من المهاجرين من أمريكا الجنوبية إلى أوطانهم. ورغم أن التحويلات التي تسهم في زيادة الطلب في البلدان المتلقية لها قد تعافت إلا أنها لا تزال دون ذروة 2008. وبالمثل، شهدت التجارة العالمية أسوأ انكماش لها وقت السلم في التاريخ بعد انهيار شركة ليمان براذرز الاستثمارية في "وول ستريت" في سبتمبر 2008. ورغم أن التجارة تعافت بسرعة كبيرة، إلا أنها استقرت منذ عام 2011 على معدل نمو بطيء . وإجمالا، بحسب بيانات صندوق النقد الدولي، زادت أحجام الصادرات بنسبة 3.0 في المائة فقط سنويا منذ عام 2007، فيما يمثل أسوأ أداء منذ الحرب العالمية الثانية وجزءا ضئيلا من معدل النمو السنوي البالغ 7.3 في المائة المسجل بين عامي 1986 و2007.

مشاركة :