أوقات عدم اليقين وقضايا الاقتصاد «1من 3»

  • 11/28/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

بعد عقد من التقدم الاجتماعي والاقتصادي، تواجه أمريكا اللاتينية قضايا صعبة، ومنذ فترة غير بعيدة، سطرت قصة نجاحها في تحقيق النمو الاقتصادي. ففي الوقت الذي كانت فيه الاقتصادات المتقدمة تعاني ركودا حادا أثناء الأزمة المالية التي وقعت في الفترة 2008 - 2009 في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، تبعه تعاف ضعيف، كان ينظر إلى اقتصادات الأسواق الصاعدة بوصفها الوعد المأمول لتجديد النمو الاقتصادي العالمي، وكان ينظر إلى أمريكا اللاتينية بوصفها جزءا من ذلك الوعد. ومن وجوه كثيرة، كان العقد 2004 - 2013 استثنائيا من حيث النمو الاقتصادي، بدرجة أكبر من حيث التقدم الاجتماعي، في أمريكا اللاتينية. بل إن بعض المحللين أطلقوا على هذه الفترة تسمية "عقد أمريكا اللاتينية"، وهي تسمية أريد منها بيان التعارض مع عبارة "العقد المفقود" التي أطلقت في الثمانينيات، حين دخلت المنطقة ركودا حادا نتيجة أزمة ديون ضخمة. إلا أن هذه الصورة الإيجابية تغيرت بصورة هائلة، فقد تباطأ نصيب الفرد من النمو حتى توقف في عام 2014 وأصبح ينظر مرة أخرى إلى جزء كبير من المنطقة بشعور الوعد الذي ضاع. ويدل التدهور المفاجئ في آفاق المنطقة أيضا على التغيرات الكبيرة التي حدثت في العوامل الدولية التي تؤثر في آراء المنطقة الاقتصادية - بما في ذلك حدوث تراجع كبير في أسعار السلع الأولية، التي لا تزال الدعامة الأساسية لصادرات المنطقة "خصوصا صادرات أمريكا الجنوبية" - وتراجع كلي في التجارة العالمية، حتى يتسنى لأمريكا اللاتينية أن تستعيد وضعها، فلا مفر من أن تضطلع بإصلاحات التنويع الاقتصادات ورفع الكفاءة التكنولوجية لهيكلها الإنتاجي حتى يقل اعتمادها على سلوك السلع الأولية. رغم أن عام 2004 مثل بداية العقد المسمى عقد أمريكا اللاتينية، فإن بعض التحسينات الاقتصادية كانت قد بدأت قبله بأعوام. فانخفاض عجز المالية العامة كان هو القاعدة لا الاستثناء في معظم البلدان منذ التسعينيات. ويسر تعزيز القاعدة الضريبية زيادة الإنفاق الاجتماعي الممول بشكل جيد بعد تقلصه بشدة في الثمانينيات. وكان التضخم، الذي بلغ نحو 1200 في المائة للمنطقة في التسعينيات، قد تراجع إلى خانة واحدة بحلول عام 2001. وهذه كلها إنجازات كبيرة. لكن بالنظر إلى أزمة الديون السابقة، كان الإنجاز الأكبر هو الخفض الحاد في نسبة الدين الخارجي إلى إجمالي الناتج المحلي الذي حدث خلال الفترة 2004 - 2008. وفي الوقت نفسه، قامت بلدان المنطقة ببناء احتياطيات كبيرة من النقد الأجنبي. وتراجع الدين الخارجي صافيا من احتياطيات النقد الأجنبي من متوسط 28.6 في المائة من إجمالي الناتج المحلى خلال الفترة 1998 - 2002 إلى 5.7 في المائة في عام 2008. وعلى الرغم من انقطاع هذا الاتجاه العام الهبوطي في عام 2008، حين توقفت المنطقة عن تسجيل فوائض الحسابات الجارية التي كانت تحققها منذ عام 2003، ظلت منخفضة بالمقاييس التاريخية في عام 2014 ــ في مستوى 8 في المائة فقط. ونظرا إلى أن انخفاض نسب الدين يرفع من احتمالات تمكن البلد المعني من سداد قروضه في مواعيدها، فقد أتاح ذلك أيضا لمعظم بلدان أمريكا اللاتينية إمكانية النفاذ إلى التمويل الخارجي بشكل استثنائي. ففي منتصف الألفينيات، عادت أسعار الفائدة الحقيقية بعد التضخم على القروض الخارجية لأمريكا اللاتينية إلى مستويات منخفضة لم تشهدها المنطقة منذ النصف الثاني من السبعينيات، قبل أزمة الديون العاصفة التي أدت إلى العقد المفقود. وبسبب نسب الدين الحذرة، تمكنت السلطات النقدية في عدة بلدان من تنفيذ سياسات توسعية لمواجهة الآثار السلبية للركود الحاد الذي شهدته الاقتصادات المتقدمة. وعلى وجه الخصوص، قامت جميع البنوك المركزية الرئيسة بخفض أسعار الفائدة، وقامت عدة حكومات بزيادة الإنفاق العام لزيادة الطلب المحلي. وكانت هذه القدرة على تنفيذ سياسات اقتصادية تسير عكس اتجاه الدورة الاقتصادية بدلا من تعزيزها أمرا غير مسبوق في تاريخ المنطقة. وبلغ معدل النمو الاقتصادي 5.2 في المائة في المتوسط في الفترة من عام 2004 حتى منتصف عام 2008، وهو أفضل متوسط تشهده المنطقة منذ الفترة 1968 - 1974. علاوة على ذلك، اقترن ذلك النمو بطفرة في الاستثمار في كثير من البلدان. فقد زاد الاستثمار كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي إلى مستويات لم تنخفض عن الذروة التي بلغتها المنطقة قبل أزمة الديون في الثمانينيات إلا بقدر طفيف - وأعلى إذا استبعدت البرازيل وفنزويلا. وبعد تباطؤ النمو الاقتصادي بصورة وجيزة وحادة في عام 2009 - على نحو ركود مكتمل الأركان في بعض البلدان، ولا سيما المكسيك - انتعش النمو ليبلغ متوسط 4.1 في المائة سنويا في الفترة 2010 - 2013. وبالنسبة إلى معظم البلدان، حدث النمو الذي يعد استثنائيا بحق في الفترة من عام 2004 إلى منتصف عام 2008، وإن كانت بضعة بلدان - بنما وبيرو وأوروجواي - قد شهدت فعليا عقدا كاملا نمت فيه اقتصاداتها بمعدلات سنوية زادت متوسطاتها على 6 في المائة في الفترة من عام 2004 إلى عام 2013.

مشاركة :