إن أفضل الناس ليسوا أكثر موهبة من بقيتهم، كل ما هنالك أنهم في كل يوم اتخذوا خطوات صغيرة تقربهم من الحياة التي يريدونها لأنفسهم، وتتوالى هذه الأيام مكونة سنوات، وبدون أن يشعروا يجتازون صراط الدنيا ليصلوا لجنة أنفسهم العامرة، خارجين عن النص القديم المُتوارث المُتهالك الذي تمّت كِتابتهٌ على أياد أخرى وَضعت قاعدة محددة لا تُريد الانجراف عنها، مخاطرة تدفعنا للتخلي عن الأشياء التي تمّ الاعتياد عليها، وأصبحت جزءا منا ومن وجودنا، مخاطرة تقوم بتحريك شيء ثابت ومستقر من الداخل بعد سنوات من الجمود وعُمر من التيبس، مخاطرة تحطم قوانين الحياة المتوارثة و الاعتقادات والأفكار المختزلة، التي نتوارثها ونؤمن بها على أنها ثوابت لا تقبل التحريك ولا تقبل التغيير.«مارك توين» عبر عن هذه الفكرة تمامًا قائلا: "بعد عشرين عامًا من الآن ، ستشعر بالإحباط وخيبة الأمل تجاه الأشياء التي لم تفعلها أكثر من الأشياء التي فعلتها ".. فــ المخاطرة الحقيقية هي الحياة بلا مخاطرة.. مثلما يُعد الجسد البيت الذي تسكٌنه النفس والروح، ايضًا تُعد النفس البيت التي تسكنها المشاعر والأفكار ودوافع السلوك، وكما للجسد حُرمة، للنفس ايضًا حُرمة، وهذا يعني أنه ليس لمخلوق الحق في اقتحام أرضك، والاستحواذ على مشاعرك وافكارك وقراراتك ورسم سلوكك لصالحه، وقد تكون البداية عند بعض الآباء والأمهات الذين يتصورون أن حياتك هي مشروع حياتهم وليس مشروع حياتك، فتراهم يدفعونك لتحقيق أحلامهم ليس لأحلامك، يدفعونك للقيام بما عجزوا عن فعله.هنا النية ليست سيئة ولكنها تربية متوارثة نتائجها دائما خلل يشوه النفس، ويصنع منها أخرى مُزيفة طافية على السطح بعد أن دُفنت الحقيقة في القاع، علاقة مشروطة أحادية الرؤية لا تقبل الاختلاف ولا التناقض ولا التقصير، علاقة جزئية ترغب طوال الوقت في سماع ورؤية القبول، اما رؤية الأجزاء الأخرى من الرفض والحيرة مرفوضة وغير مقبولة، هنا لا تقتصر هذه العلاقة على الآباء والأمهات فقط، بل امتدت وانغمست في كل العلاقات المحيطة.علماء مدرسة الجشطالت في العلاج النفسي قالوا : إذا نظر شخص ما إلى شجرة فإن عينه ستأخذ لها لقطة وتقوم بتخزينها في الذاكرة، وترفض إستقبال اي صورة أخرى لها، إلى أن تهب الرياح فتحرك اوراقها وأغصانها، فتثير العين وتبدأ في استقبال الصوت والصورة من جديد، وهنا اتحدث عن الاستقبال وقوانينه وكيفية تجديده ،وأشير إلى استقبالاتنا المبكرة لمواقف الطفولة وتثبيتها وعدم مراجعتها التي تسببت في حدوث "اللاوعي النفسي".لابد من إدراك أن الحركة هي الأصل والتغيير هو الطبيعة، ولكن المؤسف أننا نصنع قوانين ضد الكون، ضد الطبيعة، ضد قانون الخلائق، ضد البشرية نفسها، الكون يتغير كل لحظة، الأرض لا تكف عن الدوران، في كل لحظة إحداثيات مختلفة، حتى الجسد خلايا تموت وخلايا تتجدد، دماء تتدفق، ونبضات لا تكف، وانفاس تتلاحق، وعندما نتحدث عن استحقاق النفس في التغيير والاختيار نكون قد خرجنا عن النص واقتحمنا الحدود المرسومة لصالح الآخرين.ثمن الوعي هو المراجعة بلا هوادة، ثمن الرؤية هو النظر في كل شيء، ثمن النور هو الخروج من كهوف الظلام، ثمن الحياة هو الاحتفاظ بالمسافة النفسية التي يشعر فيها الفرد بالأمان، المسافة التي تحمي حرية الاختيار في التفكير واتخاذ القرار، ورسم المسار الذي يرغب به دون تدخل، الإيمان بأنك مشروع حياتك وانك انت فقط القادر علي وضع النقاط التي ترغب بها، وانت فقط لك الحق في ذلك، إلى جانب التخلي عن" الولاء الخفي" أو ما يسمى بالتكرار القهري الذي يدفعنا إلى تكرار قصص وروايات آبائنا وأمهاتنا وأجدادنا بطرق مختلفة بدون وعي كإثبات لهم بداخلنا أننا ما زلنا أوفياء مخلصين، وأننا سنظل علي قواعدهم الموروثة وكأنها عهد لابد من الوفاء به. هناك حكمة هندية قديمة تقول: " من لا يستطيع الرقص يلوم الأرض "... إن الحياة تساعد أولئك الذين يساعدون أنفسهم، وأنا لا أؤمن أن واقع الانسان مفروض عليه إلى الأبد ولا سبيل لتغييره بتاتًا، إن هذه الكلمات يُغلفها التفكير بطريقة الضحية، وتفوح منها رائحة الخوف، وتفتقر إلى عدم الاحساس بالمسؤولية الشخصية، أعتقد أننا عمومًا نحصل من الحياة بقدر من نمنحه لها، كل منا عليه فقط أن يدرك أنه مشروع حياته والحياة واحدة فلابد أن نتعلم قول " لا " لكل شيء يأخذ من حساب حياتنا ونؤمن " بأن كل مرة نقول فيها نعم لشيء غير مهم، نقول فيها لا لشيء مهم " .
مشاركة :