يشتغل وائل مهنا (43 عاماً) في تدريب كلاب من أنواعٍ مختلفة، شمالي قطاع غزّة حيث الأراضي الزراعية والأماكن المفتوحة، يعلمها تارة قفز الحواجز التي صممها بنفسه بطريقةٍ احترافية، ويطالبها تارة أخرى بتنفيذ أوامر محددة كالبحث عن الكرة أو مهاجمة هدف. بدأت قصّة مهنا مع الكلاب منذ الصغر، حين أحضر واحداً للمنزل ودربه على حراسة سيارة والده الشخصية، وتطور الأمر بعد ذلك ليتدّرج في تعلّم أسس التدريب، إلى أن وصل إلى افتتاح أول مدرسة في القطاع، وجمع بها كلاباً من مناطق متعددة. ويقول وائل مهنا إن المدرسة المقامة في بيت لاهيا أقصى شمالي القطاع تضم حالياً نحو 20 كلباً من أعمار مختلفة وأطباعٍ متباينة، وهي مجهزة لاستقبال أعداد أكبر إذا لزم الأمر. ويمارس الأربعيني الفلسطيني العمل في التدريب منذ نحو سبع سنوات، اعتمد خلالها في تحصيل المعرفة في كيفية التعامل مع الكلاب على مواقع الإنترنت بصورة أساسية، ثمّ الخبرة التي اكتسبها مع الوقت، كما يقول. ويشير وائل إلى أن فكرة المدرسة لاقت قبولا لدى الناس في قطاع غزة، ويلاحظ أنّها لفتت انتباه فئات كثيرة في المجتمع، لاسيما أولئك المهتمين بالمجال وتفاصيله، ذاكراً أنّ “الجهات الرسمية بشكل عام في غزة، لا تمنح مساحة جيدة للاعتناء بالحيوانات الأليفة؛ لأنّ العديد منها للأسف لا يمتلك القدرة على التعامل معها”. مهنا لم ينقطع عن شغفه بنشر معلومات خاصة بآليات التدريب والتعامل مع الكلاب على منصات التواصل الاجتماعي وكانت فكرة إنشاء أول مدرسة لتدريب الكلاب بقطاع غزة بمثابة مخاطرة كبيرة بالنسبة لمهنا في ظلّ الواقع الصعب الذي يعيشه القطاع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، “لكنّ الشغف الذي أحمله لهذا المجال كان أقوى”، على حد تعبيره. ويوضح مهنا أن هدفه الأساسي هو محاولة التقليل من مخاطر الكلاب الشرسة التي قد تواجه المواطنين والسعي إلى ترويضها، بجانب توفير مصدر للدخل. وتبدأ جولة التدريب للكلب التي قد تمتد أحياناً لأكثر من ساعة، باللعب والمداعبة من قبل المدرب، حتى يتهيأ لتنفيذ الحركات والأوامر التي ستُطلب منه لاحقاً. ويقول المدرب “هذه العملية ليست سهلة بتاتاً وتحتاج دقة شديدة وفطنة عالية، لأنّ أيّ خطأ مهما كان بسيطاً يمكن أن يسبب خطراً كبيرا”، إلا أن الصفات الجيدة ومنها الذكاء والطاعة والوفاء التي تتميز بها الكلاب تساعد مهنا كثيراً في مهام التدريب. أما المهام التي يتم تدريب الكلاب عليها فتتنوع بين “الحراسة، وحماية الشخصيات، والبحث عن المخدرات والأسلحة، ويمكن أن يتم إكساب الكلب مهارات تساعد في تأدية عروض للمسابقات والفعاليات”، بحسب المدرب الغزّي. وتتراوح المدّة التي يمكن أن يحتاجها الكلب ليكون مؤهلا للحراسة وغيرها من المهام، “بين ثلاثة إلى أربعة أشهر، وذلك تبعاً لنوعه ونفسيته”. وفي بعض الأحيان يقضي مهنا مدةً في تعديل سلوك الكلب وتقويمه، قبل أن يبدأ بالتعليم الفعلي، مشيراً في هذا الصدد إلى أن “الرفق هو الأساس الأول للتعامل مع الحيوان، وأي أعراض اكتئاب أو حزن عند الكلب تؤثر على مجرى العمل”. ولا ينفك مهنا، عن شغفه بنشر معلومات ومعارف خاصّة بآليات التدريب والتعامل مع الكلاب على منصات التواصل الاجتماعي، فلديه قناة على “يوتيوب” يبث عبرها الفيديوهات التعليمية بشكلٍ دوري، ويحصل من خلالها على نسب مشاهدة وتفاعلات مرضية. ويشرح أنّ فكرة إنشاء المدرسة خطرت له أساساً من خلال مواقع التواصل، حيث كان ينشط يومياً لساعات طويلة، يقضيها في الإجابة على أسئلة واستفسارات الناس المتعلقة بالكلاب التي ترد للمجموعات الخاصّة، لافتاً إلى أنّ مقطع فيديو واحدا سجله حقق حوالي 70 ألف مشاهدة. وحول الأنواع التي يدربها، يلفت مهنا إلى أن “أنواع الكلاب في قطاع غزّة محدودة وتنحصر في فصيلتي ‘الجيرمن شيرد’، و’مالينو’، ونادراً ما يعرض مربّو الكلاب أصنافاً مختلفة غير مألوفة عبر المجموعة الإلكترونية التي نتواصل من خلالها”. ويرجع السبب في ذلك إلى الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ 2006 والذي يفرض قيوداً على إدخال الحيوانات أو حتّى المعدات التي تلزم لتربيتها وتدريبها. ويذكر مهنا أنه واجه الكثير من الصعوبات خلال العمل على مشروعه، ومن بينها أنّه عانى في مسألة توفير قطعة الأرض اللازمة، لاسيما وأنّ معظم المناطق في غزة مكتظة بالسكان، ويصعب ضمنها تطبيق مثل هذه الفكرة، موضحاً أنّ أحد المتحمسين للمشروع وفّر أرضاً بعيدة عن الناس بمواصفاتٍ جيدة. وتابع مهنا أنّ الأوضاع الاقتصادية السيئة تلقي بظلالها أيضاً على عمله موضحاً “المواطنون لا يستطيعون توفير الاحتياجات الأساسية، فكيف يمكن أن يهتموا بمثل هذا المجال؟”. كذلك يعيق الحصار الإسرائيلي تنقل مهنا وحركاته، ويسهم في الحد من مستوى المعارف التي يمكن أن يحصّلها، وتساعده في تطوير مشروعه. ويحلم مهنا ”بامتلاك القدرات التي تمكنه من تطوير مدرسته ليكون بإمكانه تنظيم المسابقات محلياً، كما يأمل بفتح باب السفر أمامه ليصل إلى الدول التي تولي اهتماماً خاصاً بالحيوانات الأليفة، ويكتسب المزيد من الخبرات ويشارك في الفعاليات العالمية.
مشاركة :