سرّايات «الدروس الخصوصية»... تعيث بالجيوب وبقرارات «التربية» | محليات

  • 5/18/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

عندما يحل شهر مايو، يحل معه موسم السرايات، ليس على طقس الكويت وطبيعتها، بل على جهتين أخريين تقفان عاجزتين أمام مد أذرعها التي لم ينفع معها أي إجراء احترازي سبق أن اتخذ. السرايات التي نعنيها، موجة الدروس الخصوصية التي تستعر مع قرب اختبارات نهاية العام الدراسي، فتزداد إعلاناتها، وحركة عرابيها، وتزداد معها «تسعيرة» الساعة الدراسية فيها، فتعيث بجيوب المواطنين الذين لا يجدون بدا من الاستسلام لرغبات أبنائهم، وضخ المال لمدرسيهم الخصوصيين، خوفا عليهم من ضياع جهد عام دراسي كامل. فيما تمثل الجهة الثانية وزارة التربية التي لم تجد نفعا كل إجراءاتها السابقة لوقف هذه الظاهرة، فهددت وتوعدت ولم تنفذ... فتحت فصول رعاية المتعلمين لمنافسة «زوّار البيوت» ففشلت التجربة وتوقفت... لجأت إلى الفضاء فأطلقت قناتها التعليمية «التربوية» وقدمت خلالها دروسا في كل المواد وللمرحلتين المتوسطة والثانوية، فلم تستطع مواجهة إعصار الدروس الخصوصية، فاستسلمت للأمر الواقع ولسان حالها يقول «لا بد مما ليس منه بد». ميدانيا، يلاحظ المراقب للوضع مجاميع طلابية تجوب الشقق والعمارات باحثة عن «جوكر» هذه التجارة ورأس الرمح في حرب النجاح، وهو المعلم الخاص المتميز الذي أصبحت تتقاطر عليه الحشود من كل زاوية وزقاق ومن أبناء التربويين أنفسهم، ولاسيما أن سوق «الدروس الخصوصية» بعلامتها المسجلة تظل في نظر كثير من الطلبة وأولياء أمورهم «الماركة الأجود والأكثر نفعاً من غيرها، ويبقى سوق التربية بما يعرضه من منتجات كاسدا ولن يرى الازدهار أبداً لانعدام الثقة بين تلك الأطراف». «الراي» فتحت ملف الدروس الخصوصية بالتزامن مع موعد اختبارات المرحلة الثانوية التي تنطلق بعد غد الأربعاء لصفوف النقل الثانوية والاثنين المقبل للثانوية العامة، وبحثت مع عدد من القياديين التربويين أسباب تفاقم الظاهرة التي تجاوزت وزارة التربية إلى أسوار الحرم الجامعي. بداية قال الوكيل المساعد للبحوث التربوية والمناهج والمشرف العام على القناة التعليمية في وزارة التربية الدكتور سعود الحربي لـ«الراي» أن القناة ساهمت إلى حد ما في التخفيف من ظاهرة الدروس الخصوصية، ولكن القضية ليست تعليمية بحتة وإنما مجتمعية تتعلق بمختلف الجهات وتلعب الأسرة فيها دوراً كبيراً. وأوضح الحربي أن الظاهرة تتعلق أيضاً بنظرة المجتمع تجاهها بعد انتشارها في الجامعة فقديماً كان الطالب يسعى إلى النجاح. أما اليوم يبحث عن التميز والتفوق نتيجة الطلب الاجتماعي على التربية والتنافس الكبير، مبيناً أن تربية الأولاد بدأت تأخذ منحى الاتكالية والاعتماد على الغير وفقد الثقة في النفس. وعن مشكلة وجود الطلبة الضعاف في الفصل لفت الحربي «أن من مسؤولية المعلم التركيز على هؤلاء الطلبة وإجراء برنامج علاجي لهم، وسوف تساهم فلسفة التعليم الجديدة والمتطورة والتي سوف تطبق مطلع العام الدراسي المقبل في المرحلة الإبتدائية في التقليل من هذه الظاهرة والقضاء عليها». وتحدث الحربي عن مراكز التقوية ومذكرات الدروس التي تباع في المكتبات والأسواق، واصفاً جميع ما يعرض بأنه«يعطي القشور ويعود الطالب على النقل والحفظ فقط ولكن حين تتغير طريقة الأمثلة والأسئلة يعجز الطالب عن الحل لأن المسائل تحتاج إلى التوضيح والشرح وهذه لا تمثل حلاً للمشكلة فالحل الأساسي تطوير الاعتماد على الذات واتخاذ القرار بثقة». من جانبه أكد الوكيل المساعد للتعليم العام الدكتور خالد الرشيد لـ«الراي»أن القضية بجميع ما يترتب عليها من سلبيات ومظاهر غير صحية كانت ولم تزل مصدر قلق للوزارة، وقد تم بحثها من زوايا عدة واتجاهات متنوعة للوصول إلى صيغة توافقية تحد من انتشارها، مؤكداً أن قطاع التعليم العام أجرى الاستبيانات والحلقات النقاشية والندوات التوعوية وخاطب العاملين في الميدان التربوي لتقديم كل مقترح يمكن أن يسهم في المعالجة. وقال الرشيد أن أولياء الأمور شاركوا بطريقة أو بأخرى في انتشار هذه الظاهرة فيما كان من المفترض بهم تعويد أبنائهم على الاعتماد على النفس واستسقاء المعلومات من مصادرها الرئيسية المعتمدة، وهو معلم الفصل الذي لن يبخل على أي طالب بالشرح والإعادة، لافتاً إلى أسباب أخرى كثيرة لهذا الخطر المنتشر، إلا أن الوزارة تسعى جاهدة لمحاربتها عبر مراكز المتعلمين والقناة التعليمية ونشر الوعي في البيئة المدرسية. وعلى مستوى المناطق التعليمية أرجع مدير منطقة حولي التعليمية أنور العنجري الأسباب إلى الوفرة المالية لدى بعض الأسر، وقال لـ«الراي»إن الطالب لم يعد يعتمد على نفسه في شيء ولا يريد أن يتعب ويريدها«سندويشة جاهزة»مبيناً أن الطالب وولي أمره إذا نجحا في الوصول إلى التعاقد مع معلم الفصل فسوف يضمن له النجاح. كما بين العنجري بعض الأسباب الأخرى لانتشار الظاهرة وهي ضعف مستوى بعض المعلمين فيما أكد أن التعامل مع من يثبت تورطه في إعطاء الدروس الخصوصية يتم بمسطرة واحدة على الجميع سواء كان كويتياً أم وافداً. وقال إن العقوبات التي تطبق بحق من يثبت تورطه من المعلمين معظمها الفصل من العمل وإنهاء الخدمات مشدداً، على ضرورة التشدد في العقوبات وفرض إجراءات وزارية أشد ردعاً للقضاء على هذه الظاهرة مبيناً«أن أرقام المعلمين تنشر في الصحف ولو أرادت الوزارة تعقب المشكلة لفعلت عبر الاتصال بهم للكشف عن شخصياتهم وفيما إذا كانوا من منتسبي الوزارة أم من جهات أخرى». ووصفت مديرة منطقة الأحمدي التعليمية منى الصلال لـ«الراي»هذه الظاهرة بأنها انتهاك لخصوصية الطالبات حين يقتحمها المعلم الخصوصي وهي هدر مالي للأسر وفوائدها محدودة وآنية وليس لها مردود. وأشارت إلى أن بعض الطلبة قد يلجأون إلى معلمين غير متخصصين وليسوا مؤهلين للتدريس وربما لا يمتلكون أي مؤهل تربوي، مبينة أن المعلمين مستغلي الطلبة يستغلون وظائفهم في أوقات غير محددة لها وبناء عليه يتم التعامل معهم وفق هذه القوانين. وإلى التوجيه الفني ذكرت الموجهة العامة الأولى للغة الإنجليزية في منطقة العاصمة التعليمية نورية السدرة لـ«الراي» أن الظاهرة سلبية بكل المقاييس فهي تؤثر على ميزانية الأسرة، وعلى التحصيل العلمي للطالب فتجعله يعتمد على المعلم ويهمل جانب الاعتماد على النفس، مشيرة إلى أن دور التوجيه في المعالجة كان المساهمة في إنشاء مراكز رعاية المتعلمين في المناطق التعليمية بأسعار رمزية وبمعلمين على مستوى عال من الكفاءة، إلا أن اللافت في السنوات الأخيرة عزوف الطلبة عنها لأسباب كثيرة، مع أنها كانت تعزيز الجانب المهاري لدى الطلبة، إلا أن الإقبال بدأ ينخفض تدريجياً عليها ويزداد على المعلم الخصوصي للأسف الذي أصبح واحدا من العائلة لكثرة الاعتماد عليه من قبل بعض الأسر. واستعرضت الموجهة العامة للاقتصاد المنزلي أماني صالح لـ«الراي» بعض الأسباب وراء انتشار الظاهرة، وأهمها إهمال الطلبة وعدم اهتمامهم بدروسهم ومراجعتها في البيت وضعف مستويات بعض المعلمين واللجوء إلى المعلمين الأقل سعراً أثناء المقابلات دون النظر إلى الكفاءة، مبينة أن كثيرا من المعلمين استغلوا الناس في الدروس الخصوصية التي اجتاحت حتى المرحلة الإبتدائية. ووصفت محاربة الظاهرة بالأمر الصعب على الوزارة في ظل قلة المردود المادي للمعلم سواء معلم الفصل أو العامل في مراكز المتعلمين والذي لا تتجاوز مكافأته الـ6 دنانير في الحصة الواحدة، مشيرة في الوقت نفسه إلى وجود قياديين سابقين في الوزارة كانوا يلجأون إلى الدروس الخصوصية لتدريس أبنائهم. من جانبه حمل عضو جمعية المعلمين خالد الأنصاري 3 أطراف لتفشي الظاهرة في المجتمع الأسرة والمعلم ووزارة التربية، فالأولى لم تتوافق مع المناهج الجديدة والثاني وجده طريقاً سهلاً لتكوين الثروة والثالثة ضعيفة في الرقابة والمحاسبة. وقال الأنصاري لـ«الراي» ان بعض المعلمين أصبحوا بمجرد قدومهم إلى الكويت يبحثون عن سكة هذه الدروس وهي رغم قلتها إلا أنها فئة تسيدت المشهد التربوي وانتشرت بالدروس الخصوصية في كل البيوت ومارس المهنة كل من هب ودب. وقال ان الجمعية قدمت منذ نحو 3 سنوات مقترحات إلى الوزارة للقضاء على هذه الظاهرة وقد أقرها مجلس الوكلاء إلا أن وكيلة الوزارة السابقة حفظتها ومنها إنشاء مراكز تقوية في المدارس نفسها ورفع مكافأة المعلم إلى 15 دينارا في الحصة خاصة بعد فشل مراكز رعاية المتعلمين. في المقابل حمل بعض أولياء الأمور مسؤولية انتشار الظاهرة إلى وزارة التربية التي أربكت الأسر بالتطوير المفاجئ للمناهج الدراسية والتعديلات المتعاقبة التي أجرتها على وثيقتي المرحلتين الإبتدائية والثانوية وتطبيق الاختبارات القصيرة ثم إلغاؤها ثم إعادة تطبيقها. وقال أولياء أمور التقتهم «الراي» إن أبناءهم لمسوا من المعلمين الخصوصيين نتائج إيجابية كبيرة تفوق نتائج الوزارة رغم الاستنزاف المادي الكبير الذي خلفته هذه الظاهرة على الأسر مؤكدين أن الحاجة إليها أصبحت ملحة وضرورية في ظل طرق التدريس القائمة حالياً. مجتمع اتكالي في تعليقه على ظاهرة الدروس الخصوصية قال الوكيل المساعد للبحوث التربوية والمناهج الدكتور سعود الحربي إن كثيراً من الطلبة لا يعتمدون على أنفسهم حتى في أداء احتياجاتهم اليومية، وهذا نوع سلبي أثر بشكل كبير في تعزيز هذه الظاهرة في المجتمع الكويتي، إضافة إلى أنه قد تكون هناك بعض السلبيات في طرق التدريس أو بعض المشكلات الاجتماعية الأخرى، لافتاً إلى أن الحل الأهم هو نشر الوعي وتعزيز ثقة الطالب في نفسه وتعويده على الاعتماد على الذات ومراعاة الفروق الفردية وتنمية قدرات المعلمين. سلسلة مترابطة تناول مدير منطقة حولي التعليمية أنور العنجري مسألة عقوبة المتورطين في الظاهرة من المعلمين فقال إن العقوبة متفاوتة بحق المعلمين فهي بحد أقصى فصل للمعلم الوافد وتحويل الكويتي إلى العمل الإداري وأقلها خصم من الراتب وفق توصيات ترفعها إدارة المنطقة إلى إدارة الشؤون القانونية سواء في مبنى المنطقة أو في ديوان عام الوزارة، مؤكداً أنه «عندما كنت مديراً مساعداً في إحدى ثانويات الجهراء قمت بإحالة عدد من المعلمين المتورطين في هذه الظاهرة، وكثير منهم كشفوا عن مجموعات أخرى غيرهم تقوم بالعمل نفسه». تفنيش وعمل إداري قالت مدير منطقة الأحمدي التعليمية منى الصلال إن من يثبت تورطه من المعلمين في ظاهرة الدروس الخصوصية يحال إلى التحقيق للمحاسبة وتطبيق الجزاء، فبحسب بنود العقد يتم إنهاء خدمات المعلم الوافد، وإحالة المعلم الكويتي إلى العمل الإداري، مؤكدة ان انتشار الدروس الخصوصية في الوسط التربوي أصبح ظاهرة كبيرة رغم جميع المحاولات التي نقوم بها كتربويين لمحاربتها. حاجة كالماء والهواء قالت معلمة اللغة الإنجليزية في مدرسة مريم بنت طارق في منطقة الجهراء التعليمية بدرية الظفيري، إن حاجة الأسر إلى الدروس الخصوصية أصبحت مثل حاجتها إلى الماء والهواء، في ظل المناهج الكثيفة وانشغال الطالب ببرامج التواصل الاجتماعي والأجهزة الإلكترونية والهاتف، فكان المعلم الخصوصي خير من يختصر الوقت والجهد لدى الطالب الكويتي. وذكرت الظفيري أن الظاهرة اجتاحت الوسط التربوي بمدارسه الابتدائية والمتوسطة والثانوية، ومن واقع الميدان والأسرة أرى أنها حاجة ضرورية عند من يلجأ إليها وهم كثر ولا غنى عنها أبداً حتى لدى الأسر التربوية. حصة المعاهد بـ...دينار أرجع معلم وافد أسباب الدروس الخصوصية إلى كثرة الاختبارات القصيرة المتتابعة التي تشتت فكر الطلاب وتجعل عقولهم تنصب على الاختبار القصير وتهمل بقية الحصص، فيما بين أن راتب المعلم المحدود والذي لا يتجاوز الـ460 ديناراً في المدارس الخاصة، ويدفع منه 300 دينار للسكن والباقي تذكرة طيران ومستلزمات سفر أدى إلى لجوء بعض المعلمين إلى الدروس الخصوصية وهم لا يجبرون الطلبة على ذلك. ووصف المعلم المعاهد الخاصة بأنها الآفة الأكبر في الكويت فهي تجمع معلمين لا يحملون أي مؤهل تربوي ومعظمهم باحثون نفسيون وموظفون في هيئة الزراعة وبعض الجهات الإدارية، وإلا كيف يرضى معلم على نفسه أن يؤدي الحصة بمكافأة قدرها دينار. خالد الأنصاري: مثلث الظاهرة ... أسرة تدفع ومعلم يطمع ووزارة إجراءاتها لم تنفع نورية السدرة: المعلم الخصوصي أصبح فرداً من العائلة في كل بيت أماني صالح: محاربة الظاهرة صعبة وقياديون في الوزارة تعاملوا مع معلمين لأبنائهم سعود الحربي: الظاهرة مجتمعية وصلت إلى الجامعة والأسباب «طلبة اتكاليون» خالد الرشيد: أولياء الأمور ساهموا بنشرها وعزّزوا لدى أبنائهم فكرة الاعتماد على الغير أنور العنجري: الطالب يريدها «سندويشة» جاهزة... وتكون أسهل مع معلمه في الفصل منى الصلال: الظاهرة انتهاك خصوصية البنات وهدر مالي للأسرة بفوائد محدودة

مشاركة :