في هذا الجزء الثاني نواصل قراءاتنا لحال الأندية الأدبية في ظل كل هذه الاحتجاجات الجمعية على واقعها، مع استماتة القائمين عليها للدفاع عنها والخروج بها من هذا النفق التاريخي؛ وذلك من خلال تواصل مباشر مع مثقفين دخلوا دهاليزها وواكبوا عملها وتعرّفوا على الآلية الآنية التي تدار بها. على أن - "ثقافة اليوم" تتيح للجميع فرصة التعقيب والتداخل على كل ما يطرح هنا تباعا -. في هذا الجزء من القراءة فتح الروائي والكاتب محمد المزيني النار على إدارة نادي الرياض الأدبي من خلال تجربته الخاصة في النادي ك "مسؤول عن لجنة السرد والعروض المرئية" حيث قال: " تجربتي الشخصية مع نادي الرياض الأدبي كانت مؤسفة للأسف الشديد، وذلك عندما استدعيت للعمل كمسؤول عن لجنة السرد والعروض المرئية فقبلت بشروطي فلم يكن النادي ممانعا البتة، وعلى أساسها قمت بمعية الفريق الرائع المكون من الدكتورة زينب الخضيري والأستاذ مشعل العنزي والأستاذ محمد العمري بوضع تصور مختلف للعمل ينهض على أساس التجديد المختلف، منها: مشروع "مسرح الطفل"، المتضمن تأسيس فرق والعمل على تسويقها من خلال عقد شراكة مع إحدى المؤسسات المختصة وكذلك مشروع "النص الروائي والدراما التلفزيونية". المزيني: نادي الرياض يستحلي طريقته العتيقة في الإدارة بالعمل الدؤوب لإيجاد حاضنة للمبدعين من كتاب السيناريو السعوديين وتفعيل حضورهم من خلال توظيف إمكاناتهم في كتابة السيناريو التي لانزال نشكو منها ومن خلالها يمكننا تحويل قصص وروايات سعودية ناجحة إلى مسلسلات وحلقات تلفزيونية، بالشراكة مع هيئة التلفزيون والإذاعة السعودية كما يمكن تسويق إنتاجها مع إحدى مؤسسات الإنتاج المتميزة، وكذلك مشروع العروض المرئية: الأفلام والعروض المرئية للسرد الكوميدي المتمثل بفن "الإستاندب كوميدي" وأهمية تفعيل هذا المشروع من خلال إيجاد شريك إستراتيجي من شركات صوتيات ومرئيات لتجهيز موقع في النادي لممارسة نشاط العروض المرئية -عرض أفلام وعروض إستاندب كوميدي-، بحيث يكون مقر النادي مكانا جذابا لفئة الشباب التي تحب هذا النوع من الأنشطة الأدبية، وقد بدأنا فعليا بالعمل لإيجاد شريك إستراتيجي يقوم بإنشاء مكان إقامة هذه الأنشطة بأعلى وأفضل تقنية صوتية وبصرية مقابل استغلال الموقع لصالح الإعلان المباشر للشريك ونشر اسمه بشكل مستمر لأي نشاط يقدم من العروض المرئية. وقد قطع الأستاذ مشعل شوطا لا بأس به في هذا المضمار إلا أن خيبة الأمل الكبيرة أن إدارة النادي لم تكن متحمسة لذلك؛ إذ غضت الطرف عن كل هذه المشاريع، فلم تقابل حماسنا إلا بالصمت المطبق والتجاهل المريب، حيث ثبت لي بشكل قاطع أن إدارتها تستحلي طريقتها العتيقة في إدارة النادي فقدمت اعتذاري عن الاستمرار مشمولا ببرنامج كامل للأنشطة المنبرية التي ترضي متطلباتهم المتواضعة لفترة كاملة. ما يؤسفني جدا أن النادي وأتحدث عن نادي الرياض الأدبي تحديدا المعني بدعم الكتاب والمؤلفين يبخل بمكافآته على من يستضيفهم. آخر مرة دخلت فيها النادي لإقامة ورشة عمل في كتابة الرواية كانت قد استهلكت مني جهد يومين متتابعين بواقع ثلاث ساعات يوميا، حضرها عدد كبير من الجنسين، وليت النادي بعد كل هذا التعب اكتفى بشهادة شكر كنت شكرتهم، فقد ألحق معها خمسمئة ريال! يا الله شيء مخجل ومحزن جدا أن يكون تقديرهم للأدباء بهذه الطريقة التي لا تشبهها سوى الشتيمة، وأنا أسأل: أين تذهب تلك الملايين؟ أعني الهبات الملكية الأولى والثانية مضافا إليها ميزانية النادي المقررة سنويا؟، أين صرفت؟ لا أعتقد أن طباعة الكتب ابتلعت كل هذه الأموال؟ ثم أين مقر النادي الذي وعدنا بها فلم نر شيئا حتى اليوم؟" وعن رؤياه الخاصة لواقع ومستقبل الأندية الأدبية يقول المزيني: "إن الأندية الأدبية أصبحت من ذاكرة الماضي ويجب تغييرها عنوانا ومضمونا" حيث قال بإحباط كبير: "أستطيع القول الآن بثقة تامة وقلب مطمئن إن الأندية الأدبية لم يعد لها وجود حقيقي، وأقصد بالوجود الحقيقي هو قدرتها على إثبات وجودها بشكل لائق في خضم المتغيرات العصرية التي تتطلب منها مواكبة سريعة لها من خلال أنشطة نوعية تتجاوز الطريقة المتكلِّسة القديمة التي تدار بها، على الرغم من محاولاتها المستميتة والعاجزة لتأكيد وجودها عبر حزمة من الأنشطة المنبرية التقليدية التي لم تعد مجدية اليوم؛ لأنها ببساطة لا تلبي أبسط متطلبات هذه المرحلة ذات البعد الديناميكي الحيوي وكذلك الوعي المختلف الذي تعبر عنه اتجاهات الشباب. مشكلة الأندية الأدبية اليوم تكمن في عجزها التام عن استلهام ما ورد في لوائحها بصيغتها النهائية والمعتمدة من وزير الإعلام السابق الدكتور خوجة مكتفية بملاحقة المناسبات المختلفة باحتفائيات مرتجلة لا تستر عورتها، ويكشف ذلك حضور هذه الفعاليات المتواضع جدا، خصوصا بعدما هجر مقاعدها بعض الحضور الدائمين من المتقاعدين الذين أعجزهم أخيرا عامل السن فانقطعت أقدامهم عن عتبات النادي، حتى اقتصر أخيرا على عدد من إداريي النادي وقهوجيته الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة...". ويختم المزيني رؤيته قائلا: "ختاما أقول: إن الأندية الأدبية أصبحت من ذاكرة الماضي يجب تغييرها عنوانا ومضمونا، وقد بحت الأصوات المطالبة بالمراكز الثقافية المشتملة على الفنون على مختلف أشكالها وأنواعها والآداب والثقافة، وأن تفعل الأنشطة من خلال جمعيات تضع هويتها بنفسها، وتسوق لأنشطتها على طريقتها دون وصاية ليكون المحك الحقيقي في كل ما تقدمه هو الإبداع لا غير. فهل سنرى النور قريبا أي بادرة رسمية لمباركة هذه الأصوات وتتويجها بقرار يحل من أزمة الأدب والثقافة السعودية؟".
مشاركة :