فقد البصر واشتعلت حدّة البصيرة

  • 12/12/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في السابق كان يشكل «المزين» عدة أعمال منها الحلاق والطبيب الشعبي، وفي محاولة من «المزين» لمعالجة أحد الأطفال بعمل وصفة شعبية على عين الطفل، كانت النتائج عكسية انتهت بفقد البصر كاملا لهذا الطفل في عمر التاسعة، فالكل يهمس في آذان والد هذا الطفل، ابنك لا يصلح إلا أن يكون مقرئًا للقرآن عند المقابر ويتصدق عليه الناس، فدع ابنك يقف عند المقابر ويأخذ الصدقات، عندما سمع هذا الطفل أنه عديم الفائدة للحياة، تسلل إليه ألم دفين واحتبس داخله، وقرّر الانتقام من «الطبيب الشعبي»، لكن انتقام بحدة البصيرة.الطفل صاحب التاسعة تحوّل من كفيف عاجز إلى مبدع يضرب به المثل وتدرس كتبه وآراؤه وأفكاره في الجامعات، والندوات والمؤتمرات، فالتحق «طه حسين» بالمدرسة وواصل تعليمه، لكن أطروحته في الدكتوراة سبّبت ضجة في الساحة الدينية، ما أتاح لهم اتهامه بالزندقة وأنه مارق وخرج عن الدين الحنيف؛ وذلك بسبب ما تحمله أطروحته في دراسة منهج «أبوالعلاء المعري» المتهم بالزندقة في التاريخ الإسلامي، فقرر مغادرة مصر والاتجاه إلى فرنسا. من لحظة التقاء طه حسين مع الفرنسية «سوزان» وأثمر هذا اللقاء بالزواج، إذ زوجته أعارته عينيها، وأصبحت له مثل نور الشمس فحقق إنجازات عظيمة في فرنسا، فلحبه لبلده وقومه قرر الخروج من فرنسا والعودة إلى مصر مع زوجته الفرنسية، وعمّل التطور العلمي وحرّك المياه الراكدة وعصف بالسفن الفكرية المتوقفة في الماء الضحل، إذ أعلن أن «التعليم كالماء والهواء حق لكل مواطن»، وغيّر مناهج التعليم، وقام بتجديد الفكر العربي حتى يواكب العصر، وأصبح عميد الأدب العربي. ربما حُرِم هذا الأديب من نعمة البصر بسبب جهل الأسرة، لكنه لم يبحث عن الطبيب الشعبي ليقتله، بل تحدى الإعاقة فترك للأدب العربي الأثر الكبير، إذ «طه حسين» لا يحتاج إلى مناسبة في ذكرى ميلاد أو رحيل، حيث أصبح أحد المخلدين الكبار على مستوى العالم وأفكاره سوف تظل موجودة ولن تختفي، وله بصمة في إضاءة شمعة البشرية من محاربة الأمية والظلام. د.نادر الخاطر

مشاركة :