هذا هو مقالي الثالث والأخير الذي أسرد فيه رؤيتي وتجربتي لما رأيته في آخر زيارة لي إلي دولة الصين الشهر الماضي والذي نظمته الصين لعرض تجربتها الرائدة في محاربة الفقر ودعت فيه وفودا من أكثر من أربعين دولة وكنت أحد أعضاء الوفد المصري. وقد ذكرت في المقالين السابقين بعض النقاط التي رصدتها أثناء الزيارة وفي مقالي هذا سوف أتكلم عن نقطتين رئيستين ومؤثرتين إيجابيا في تحقيق الحلم الصيني والخروج بالبلاد من مرحلة الفقر إلي مرحلة التنمية ثم إلي مرحلة الرفاهية والبحث عن جودة الحياة.أول تلك العوامل وهو عامل مؤثر جدا من وجهة نظري في رحلة الصين للخروج من قاع الزجاجة إلى عنقها ثم الخروج منها هو المواطن الصيني، هذا المواطن الذي كان يعيش تحت خط الفقر في بيئة غير صحية تماما وفي مستوى معيشة متدنٍ ورغم ذلك وثق في قيادته وتحمل الكثير والكثير من أجل وطنه وانتظر دوره في التنمية ولم يتذمر ولا يتمرد على أوضاعه السابقة ولم يطالب قيادته بمطالب شخصية فئوية ولم ينتقد أداء حكومته وانتقاد المشاريع القومية والتنموية التي تنفذهاَ حكومته ولم يعترض على خطط التنمية الموضوعة تحت مبرر أنه لن يستفيد منها في حياته وإنما كان صابرا متحملا وداعما لوطنه ولحكومته ولقيادته وانتظر بكل ثقة دوره في التنمية وكان دائما مستعدا للمساهمة والعمل الجاد في أي خطه تضعها الحكومة للتنمية وتنازل عن بعض طموحاته الصغيرة والعاجلة ليتمسك بالطموح الأكبر في الخروج من تحت خط الفقر. لم يقتصر هذا الأداء على كبار السن أو المرأة بل أيضا شمل شباب هذا الوطن المحب والمخلص لوطنه وعمل بكل جد بما أتيح له من فرص عمل مؤقتة لحين تغيير الأوضاع الاقتصادية وللوصول إلي هدفه وتحقيق أحلامه. وقد قفز الاقتصاد الصيني إلى مستويات مرتفعة جدا وقد ارتفعت قيمة العملة الصينية حوالي ٤ أضعاف في أخر خمس سنوات بخطي منتظمة وبناء على تنمية حقيقية وليس مجرد طفرات مؤقتة. نعم كان المواطن الصيني هو حجر الأساس القوي الذي تم بناء هذا الاقتصاد العملاق على أكتافه وأيضا هو الآن يجني ثمار هذا الإنجاز العظيم.أما العامل الثاني المؤثر بشدة على مشوار الاقتصاد الصيني العظيم هو النظام الحاكم في الصين متمثلا في رئيس البلاد والحكومات المتعاقبة والحزب الحاكم، الذين تعاونوا بكل إخلاص وتفان وشفافية ومصداقية متناهية مع شعوبهم. فقد تمكن هذا النظام خلال الأربعين سنة الأخيرة من اكتساب ثقة الشعب وبنى لنفسه مصداقية أمام المواطن فأصبح نظاما موثوقا به من جانب الشعب وأصبح نظاما ناجحا نتيجة لوفائه بوعوده في بناء التنمية الحقيقية دون خداع أو كذب أو حتى مواربة في إعلان الحقائق. وتلاحم هذا النظام مع فئات الشعب المختلفة علي مستوى كل الفئات والقطاعات الشعبية العريضة، وأصبحت مصداقيته حقيقة يؤمن بها كل مواطن صيني، وبناء عليه أصبحت قراراته ومشروعاته تكتسب الثقة والمصداقية من جميع قطاعات الشعب دون تشكيك أو تهوين أو حتى تهويل في حالة الخطأ أو الفشل.واستطاع هذا النظام أن يحتوي شعبه ويصنع حاجز ثقة بين هذا الشعب وبين أي تدخلات خارجية تريد تعطيل أو إيقاف مسيرة التنمية والنجاح، ولم يتم صناعة هذا الحاجز بإجراءات حكومية وأمنية متمكنة فقط بل بنجاحات وقفزات اقتصادية عملاقة تؤكد مصداقية هذا النظام وإخلاصه لوطنه وأيضا كان هناك دولة قوية تتخذ تدابير وإجراءات حاسمة ضد كل من تسول له نفسه التلاعب بأحلام وطموحات هذا الوطن. ورغم سلمية تلك الشعوب والأنظمة التي طالما أكدت عدم رغبتها في التدخل في الشؤون الداخلية للدول وعدم التواطؤ مع بعض الأنظمة من أجل إحياء بعض الصراعات الإقليمية لكنها كانت حازمة وحاسمة في التعامل مع أي تدخلات خارجية في شؤونها، ودولة الصين لا تطلق لقب عدو مطلقا سوى علي دولتين فقط وهما دولة اليابان العدو العسكري القديم والولايات المتحدة الأمريكية العدو السياسي الجديد. وقد نجحت الصين في فصل شعوبها عن أي إغراءات أو وسائل يتم استغلالها تحت بعض العناوين العادلة والمشروعة للتدخل في شؤونها الداخلية واستغلالها في أهداف غير مشروعة للتأثير على تلاحم الشعب وقيادته. وأخيرا هناك جملة مهمة قالها أحد القيادات في الحفل الختامي وهي أنه رغم نجاح التجربة الصينية لكن دولة الصين لا تريد ولا تسعى لتصدير تجربتها إلى دول العالم وليس هناك نموذج صيني يجب تطبيقه في أي دولة تسعي إلى التنمية بل إن التجربة الصينية واضحة أمام الجميع وعلى من يريد الاستعانة بها فهو حر ولكن يجب أن يتعامل مع كل دولة حسب خصوصيتها الثقافية وثرواتها الطبيعية ومقدراتها ويجب أن يكون لها تجربتها الخاصة. وفي النهاية يتملكني شعور بالأمل والتفاؤل تجاه بلدنا الغالي مصر ومستقبلها الواعد لما رأيته في السنوات الأخيرة وتحت قيادة سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي من خطوات وتدابير تتماثل مع بدايات خطط التنمية في الصين وكلي ثقة في إخلاص وتفاني سيادته من أجل الوصول بهذا البلد إلي بر الأمان.حفظ الله مصر وحفظ شعبها.
مشاركة :