تهتم التربية «بطرق التفكير» وتضعها هدفاً من أهداف التعليم لما لها من تأثيرات كبيرة في حياة الفرد. بل إن طرق «التفكير» أصبحت في هذا الوقت مادة تدرس في الجامعات، ويدرسها آلاف الطلبة. فالهدف ليس في التفكير، فالكل يفكر بطريقته سواء كان التفكير سلبياً أو إيجابياً، لكن الإشكالية هي في طريقة التفكير التي قد توصل صاحبها إلى سلبيات تؤثر في نفسه والآخرين. الناس بطبيعة الحال تتباين في طريقة التفكير، والكثيرون لا يعرفون كيف يفكرون، بطريقة إيجابية مما يجعلهم يعانون ولا يجدون السبيل للخروج من هذه المعاناة أو المشكلات سوى الوقوع في المزيد من الأخطاء والخلل. إن الوقوع في التفكير السلبي والاستمرار فيه يوصف عادة بالتفكير «المعوج» أو الأعوج Crooked Thinking الذي قد يعرض الإنسان إلى تداعيات سيئة على حياته وعلاقته بالآخرين.. ولقد وجد أن «التفكير الأحادي» Unilateral Thinking، أي الرؤية الوحيدة التي تتشكل منها التصورات والتغيرات واتخاذ القرارات بناء على ثقافة أو معتقد يظن صاحبها أنه على صح وغيره على خطأ، هو شكل من أشكال التفكير المعوج الذي يتسم بالمكابرة ورفض الآخر وتعظيم «الأنا» أو الذات بشكل مفرط. وقد رأت الدراسات السلوكية والتربوية أن كل تفكير سلبي هو تفكير أعوج يعرض صاحبه إلى مشكلات ليس من السهل تلافيها. ولقد وجد أن هذا النوع من طريقة التفكير السلبي أو الأحادي عادة هي خاصية عند الدكتاتورين، وأصحاب المعتقدات المتطرفة، ونادراً ما يتجاوب هؤلاء مع المتغيرات المادية الخاضعة لحركة الحياة المتجددة. لهذا فإن التفكير الأحادي شكل من أشكال التفكير الأعوج أو التفكير المبني عادة على الجهل والعناد والمكابرة وحب الذات وقلة الاحترام، والعزوف عن الحوار والتفاهم. ويغلب على التفكير الأعوج التعميم حيث يتهيأ للشخص الذي يسرق أن كل الناس سراقون، أو القاتل للآخر بطلق ناري إنما يعني كل الناس تقتل بالطلق الناري. يقول روبرت ثولس إن التفكير لا يعني فقط العمومية في طريقة التفكير، وإنما يشمل كل تفكير غير حقيقي أو صادق، واختلال في التصورات والوقائع. فهو يرى سيطرة العاطفة على العقل، والخروج عن المنطق واتساع دائرة التناقضات، والميل إلى المتاهات والمشكلات على نحو يتعارض مع التفكير الصحيح. فالتفكير عامة قد يعكس عناصر السلوك المضطرب، ويتعامل مع انخفاض الدافعية، والميل للحزن، والنظرة الدونية للذات، والانطواء والشعور بالأنانية والحدة، والوقوع في المخاطر من دون إدراك للعواقب. بل وجد من الدراسات النفسية أن التفكير المعوج يخطط أحياناً لفرض السلوك السلبي والتعرض للأخطاء من دون وعي وإدراك. والسؤال كم من الأشخاص يخلون تماما من بعض عناصر التفكير الأعوج؟، وهل كل الناس تتعامل بتفكير متوازن وتتصرف على نحو إيجابي؟، وهل الشخص الذي يتجنب التفكير الأعوج يتصف بمثالية عالية، ولا يعاني الارتياب والقلق وعدم الارتياح؟ إن سلوك التفكير المتمثل في التوازن العقلي والنفسي يجعل الإنسان يختار ما هو أفضل لحياته. لكن ذلك مستحيل عند كل الناس، فكل فرد لديه شيء من التفكير الأعوج سواء أدرك ذلك أم كان خافياً عليه، فتصرفاته عند الآخرين يسهل الحكم عليها.. yaqub44@hotmail.com
مشاركة :