أوصت اللجنة الحكومية لمعالجة اختلالات التركيبة السكانية بـ «وقف توظيف العمالة الوافدة في القطاع الحكومي إلا في التخصصات النادرة وتلك التي لا تتوافر في العمالة الوطنية وتطبيق سياسة الحصص للجاليات الوافدة (نظام الكوتا) وإلزام عمالة المشاريع الحكومية بمغادرة البلاد فور انتهاء المشروع». وحقيقةً فإن هذه التوصيات لم تأتِ بأي جديد وهي تكرار لقرارات سابقة من الواضح أنه لم يتم تطبيقها، فقرار وقف توظيف الوافدين في القطاع الحكومي إلا في التخصصات النادرة هو قرار قديم ويفترض أن يتم تطبيقه منذ فترة طويلة كما أن قرار إلزام عمالة المشاريع الحكومية بمغادرة البلاد هو أيضاً قرار قديم ويفترض أنه أيضاً تم تطبيقه منذ فترة طويلة، فأين الخلل إذاً؟ هل هو في تكرار تشكيل لجان تستهلك الوقت والمال لكي تأتي بالتوصيات نفسها أم ان الخلل في الجهات المسؤولة التي تخالف تلك القرارات المصيرية جهاراً نهاراً و لا تجد من يحاسبها؟ من جهة أخرى فإننا يجب أن نسأل أنفسنا هل لدينا خلل حقيقي في التركيبة السكانية وما المعيار المستخدم لتحديد أو قياس الخلل؟ أعتقد أن الجواب عن هذا السؤال يتطلب النظر بواقعية إلى طبيعة المجتمع الكويتي والتي لا يمكن مقارنتها بالمجتمعات الأخرى، فالمواطن الكويتي لا يعمل في الوظائف الخدمية أو الحرفية مثل بقية المجتمعات حتى لو كان منعدم التأهيل، حيث يعود ذلك إلى نظرة المجتمع لتلك الوظائف والتي سيمضي عليها زمن طويل قبل أن تتغير، كما أن ذلك يعود للوسائل الحكومية المتعددة التي تمنح المواطن وظيفة أو راتباً بطريقة أو بأخرى حتى ولو كان جالساً في بيته ما يجعله عازفاً عن ممارسة أي وظيفة سواءً بسبب مشقتها أو بسبب عدم تناسبها مع «وضعه الاجتماعي»، وبذلك فإنه لكي نستطيع أن نحدد الخلل في التركيبة السكانية بشكل واقعي فإن ذلك يستدعي تقسيم الوافدين إلى خمس فئات رئيسية وهي: الفئة الأولى: وهي فئة خدم المنازل؛ والتي تعتبر فئة رئيسية ولا يمكن الاستغناء عنها في ظل طبيعة المجتمع الحالية والتي تعتمد اعتماداً كلياً على الخدم في جميع نواحي الحياة اليومية، بل على العكس فإن تمدد الانتشار السكاني على مساحة الكويت سيؤدي إلى زيادة هذه الفئة ونموها بصورة كبيرة. الفئة الثانية: هي فئة الحرفيين من ميكانيكيين وكهربائيين وحلاقين وخياطين وحدادين ونجارين وباعة المحلات وجميع المهن الأخرى والتي تؤدي خدمات للمجتمع، وإن كانت بسيطة في ظاهرها، إلا أنها خدمات رئيسية لأي مجتمع متمدن، ولا يمكن الاستغناء عنها، وهذه الفئة أيضاً ستنمو بصورة مطردة مع تمدد الانتشار السكاني. أما الفئة الثالثة فهي فئة العمالة التي تعمل ضمن المشاريع الحكومية وهي عمالة متحركة وغير ثابتة وتعمل بصفة موقتة وهي تزيد وتقل وفقاً لنمو المشاريع الحكومية وانكماشها ومن المتوقع أيضاً زيادتها بصورة مطردة لتلبية متطلبات خطة التنمية والمشاريع الجديدة. أما الفئة الرابعة فهي العمالة الوافدة شبه الثابتة وهي تلك التي تعمل في الوظائف الوسطى والعليا في القطاع الخاص، والفئة الخامسة هي العمالة الوافدة العاملة في الجهات الحكومية. وأعتقد هنا أن الفئات الثلاث الأولى من خدم وحرفيين وعمالة موقتة لا تمثل أي مشكلة فعلية في التركيبة السكانية كما أنه لا يمكن الاستغناء عنها وهي تخدم أغراضاً حيوية محددة في المجتمع ولا يجب أن تشكل أي هواجس أمنية أو اجتماعية للجهات المسؤولة في الدولة، وبذلك فإن ما يجب التركيز عليه فعلياً هو الفئتان الرابعة والخامسة. فالفئة الرابعة وهي العمالة الوافدة شبه الثابتة في القطاع الأهلي والتي استوطنت ونمت وسيطرت على هذا القطاع يجب تحليل تركيبتها ودراستها ووضع السبل الكفيلة بإحلال العمالة الوطنية مكانها، وذلك عن طريق تدريب وتأهيل المواطنين للحلول محلها بشكل تدريجي وممنهج وهو ما يجب أن يكون هدفاً استراتيجياً واضحاً للجهات المعنية في الدولة وعلى رأسها الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب وجهاز دعم العمالة، وكذلك تجب المسارعة إلى تحديد مجموعة من الوظائف التي يُمنع شغلها إلا بواسطة المواطنين مع زيادتها مع مرور الوقت لكي نضمن جدية هذا القطاع في توظيف المواطنين والمشاركة في تأهيلهم وتدريبهم، أما الفئة الأخرى والتي يجب أن تأخذ أعلى درجات الاهتمام فهي فئة الوافدين الذين يعملون في الجهات الحكومية ويبلغ عددهم 33 ألفاً حسب الاحصائيات المقدمة والذين يجب النظر إليهم بصورة جدية تمهيداً لاتخاذ قرارات فورية وحاسمة بشأن من يمكن إحلاله منهم بالعمالة الوطنية التي تنتظر دورها للتوظيف. أما في ما يختص في موضوع تطبيق سياسة الحصص للجاليات الوافدة «نظام الكوتا» فإنه يجب الحذر كل الحذر من تحديد «كوتا» للجنسيات التي أثبتت تاريخياً سلميتها وحسن اندماجها في المجتمع، حيث يأتي على رأسها الجنسيتان المصرية والهندية ولا مانع من وضع قيود على الجنسيات الكثيرة المشاكل والجرائم والعنف. قد يكون رفع نسبة المواطنين لتعديل ما يسمى الخلل في التركيبة السكانية هدفاً مشروعاً ومثالياً للحكومة، إلا أن ذلك يجب أن يتم لتحقيق أهداف واقعية وليس بسبب إحساسنا بأننا أصبحنا أقلية في بلدنا وعلى أن يكون التنفيذ وفقاً لخطة استراتيجية طويلة الأمد يتم التركيز فيها على حصر الوظائف والمهن التي يمكن تكويتها ووضع البرامج الكفيلة بتدريب وتأهيل المواطنين لشغل تلك الوظائف وبصورة تدريجية لا تؤثر على سير العمل أو تخلق مشاكل تؤثر على معيشة المواطنين مع الأخذ بالاعتبار أن القطاع التجاري والصناعي يعتمد بصورة رئيسية على الوافدين للقيام بأعماله، كما أن تعديل النسبة العددية لا يجب أن يكون هدفاً بحد ذاته ما دامت تلك الأعداد التي نعتبرها كبيرة من الوافدين تساهم في بناء وتقدم وتطور البلد ومادامت لا تسبب أي مشاكل اجتماعية أو أمنية. ما يجب الانتباه له فعلاً هو العمالة السائبة والتي تشكل صداعاً مزمناً لجميع الإدارات الحكومية المعنية بها حيث يجب المسارعة فوراً إلى إلغاء نظام الكفيل المعمول به حالياً واستبداله بإدارة أو شركة حكومية تحل محل الكفلاء الأفراد، وذلك حتى نقضي على المتاجرة بالإقامات ونحسن صورتنا أمام الجهات الدولية، كما يجب الانتباه إلى الـ 338 ألف مواطن ومواطنة خارج قوة العمل (الطلبة والمتقاعدون وربات البيوت من عمر 15 إلى 65 سنة) وهي قوة عمل معطلة ساهمنا في تضخم أعدادها عن طريق سياسات التحفيز على التقاعد المبكر بالرغم من حاجة العمل لها وقدرتها على العطاء حيث يمكن تأهيلها وتدريبها وإحلالها محل أعداد كثيرة من العمالة الوافدة. والله المستعان... Almeer56@yahoo.com
مشاركة :