تبرز أهمية وعمق مبادرة خادم الحرمين الشريفين "الملك عبدالله بن عبدالعزيز" -حفظه الله- الداعية إلى انتقال دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من حالة "التعاون" إلى حالة "الاتحاد"، وتبرز معها يوماً بعد آخر أهمية وضع هذه المبادرة موضع التنفيذ؛ لما تمثّله من تعبير عن مطلب مواطني الدول الخليجية، لا سيما الشباب والفتيات، فهذه النظرة الإستراتيجية إذا ما رأت النور ستكون نواة للقضاء على كثير من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، ومكمن قوة هذه المبادرة أنها ستخلق عشرات آلاف الوظائف، وبالتالي فإنه بالإمكان أن تستفيد دول المجلس من ذلك في "خلجنة الوظائف"، الأمر الذي سيسهم في حل أزمة البطالة التي تعاني منها بعض هذه الدول، خاصة الدول التي تزداد فيها نسبة العمالة الأجنبية بشكل بات يهدد التركيبة السكانية فيها. قيادة التنمية وقال "د. محمد آل ناجي" -رئيس لجنة الموارد البشرية في مجلس الشورى- :"مع ازدياد تأهيل الشباب الخليجي وزيادة الحاجة لاتحاد دول مجلس التعاون الخليجي، أصبحت الحاجة تتنامى للإفادة مما لدى الشباب من خبرات لقيادة التنمية في دول المجلس"، مضيفاً أن الأمن الوظيفي يُعد من أهم الدعائم للشاب الخليجي للعمل في دول الخليج الأخرى، مشدداً على أهمية سن أنظمة وقوانين توفر الحماية اللازمة للشباب، مشيراً إلى أن الحاجة أصبحت ملحة لوجود كيان موحد للوظائف المتاحة والخبرات المتوفرة لدى مواطني المجلس. وأضاف أن إنشاء الشركات ومؤسسات الأعمال المشتركة بين دول المجلس من شأنه أن يسهم في دمج الخبرات وتوحيد المصالح والأهداف المشتركة، داعياً وسائل الإعلام إلى تشجيع الشباب الخليجي للعمل في دول المجلس، مشيراً إلى الدور الكبير الذي من الممكن أن تلعبه الغرف التجارية في دول المجلس لتوفير المناخ المناسب لعمل الشباب في دول المجلس، إلى جانب دور المجالس التشريعية في الدول الخليجية ومسؤوليتها في سد الثغرات النظامية، وكذلك الدور الكبير للأمانة العامة لمجلس التعاون في تحقيق جميع تلك المتطلبات. أمور تنظيمية وأوضح "د. سعيد الشيخ" -عضو مجلس الشورى، وكبير الاقتصاديين في البنك الأهلي- أن فرص العمل في دول الخليج المتاحة لأبنائها لا تزال محدودة وفي نطاق ضيق، مرجعاً ذلك لعدم رغبة العديد من الشباب ترك مسقط رؤوسهم وتفضيلهم العمل داخل بلدانهم، مشيراً إلى أن كل دولة تعطي الأولوية في الحصول على فرص عمل لمواطنيها، وبالتالي فإن مواطني الدول الأخرى لا يحظون بالمعاملة نفسها، لافتاً إلى أن الخطوات المبذولة لمعالجة هذا الموضوع غير كافية، كما أنها إحدى العقبات التي تحول دون انتقال الشاب الخليجي للعمل في دول أخرى. وأشار إلى أن هناك أموراً تنظيمية تسير ببطء، ومن بينها ما يتعلق بأنظمة معاشات التقاعد والتأمينات الاجتماعية، مضيفاً أن دول المجلس لا تزال في مراحل أولية في جانب اعتماد السهولة في انتقال حقوق الموظف الخليجي في تأمين التقاعد والتأمينات الاجتماعية عبر دول المجلس، موضحاً أن من بين مواطني المجلس من يعملون عدة سنوات خارج دولهم، وعند انتقالهم إلى وطنهم الأم فإنهم قد لا يستفيدون بالقدر الكافي من مظلة التأمينات، مشدداً على ضرورة اتخاذ خطوات أكثر جدية لضمان حقوق الموظف ومخصصاته التقاعدية وتوحيد الإجراءات وسهولة الانتقال. الأمان الوظيفي وأكد "د. الشيخ" على أهمية شعور الموظف الخليجي بالأمان الوظيفي، وألا يشعر بقلق حيال إمكانية خسارة جزء من مستحقاته نتيجة انتقاله من بلده إلى بلد آخر، موضحاً أن هناك توجهاً عاماً لدى دول المجلس لجعل أنظمتها المتعلقة بمعاشات التقاعد والتأمينات منسجمة مع بعضها البعض؛ وذلك لتسهيل انتقال الخليجيين بين دول المجلس والحفاظ على مستحقاتهم في المؤسسات نفسها، مشيراً إلى أن هناك العديد من الآثار الاقتصادية والتنموية الكبيرة التي من الممكن أن تتحقق في حال تم فتح المجال أمام الشباب الخليجي للعمل في دول المجلس. ولفت إلى أن دول المجلس تعتمد بشكل كبير على العمالة غير الخليجية، سواءً كانت ماهرة ومتعلمة أو تلك التي لديها قدر بسيط من هذه المهارة، مشيراً إلى أنه في حال وجدت أنظمة محفزة تعطي الأولوية في العمل لأبناء دول المجلس، فإن ذلك قد يؤدي إلى انتقال هؤلاء المواطنين للعمل في الدول الأخرى، وبالتالي فإن هناك مردوداً جيداً سينعكس على دول المجلس، ومن ذلك أن تراكم الخبرات لدى الشباب ستبقى في دول الخليج، مما يتيح الاحتفاظ بها ولا يجعلها تتسرب إلى الخارج على أيدي تلك العمالة الأجنبية لدى مغادرتها البلاد. وأضاف أن الجانب الآخر من هذا المردود الجيد يتعلق بحجم التحويلات إلى خارج الدول الخليجية، ضارباً المثل بالمملكة التي تبلغ التحويلات منها إلى الخارج في العام الواحد بحوالي (120) مليار ريال، لافتاً إلى أن وجود العمالة الخليجية من شأنه أن يُبقي تلك التحويلات ضمن منظومة الإطار الخليجي، وبالتالي فإنها ستكون محفزة في زيادة النقد داخل نطاق دول المجلس، إلى جانب أن البنوك ستستفيد في زيادة قروضها، وكذلك تكون هناك مضاعفات للريال داخل الإطار الخليجي، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على الاقتصاد الخليجي برمته. وبين أن دول الخليج مُكملة لبعضها في جوانب كثيرة، حتى إن كان هناك تفاوت في الحجم الاقتصادي والتكتل البشري بين هذه الدول، فهناك تكامل بينها، كما أن هناك فائدة لهذه الدول ستحصل عليها من انضمامها في تكتل واحد، مضيفاً أن ذلك سيُسهل عملية نقل الأموال بينها، خصوصاً عند انتقاله من الدول الأكثر سيولة إلى تلك الأقل سيولة، داعياً دول المجلس إلى أن تصبح كتلة اقتصادية واحدة ذات عملة واحدة وسياسة نقدية واحدة، على أن تكون هذه الدول منسجمة في السياسات المالية والنقدية، مشدداً على إنشاء بنك مركزي رئيس أسوة بما هو معمول به في أوروبا. معاملة المثل ورأى "د. عبدالوهاب أبو داهش" -خبير اقتصادي- أن اتفاقية السوق الخليجية المشتركة تؤكد على معاملة المواطن الخليجي في أي من دول المجلس معاملة المثل من حيث التوظيف والانتقال بين هذه الدول، مرجعاً عدم وصول مستويات التوظيف لأبناء المجلس في الدول الخليجية إلى أن المواطن الخليجي بطبعه يفضل العمل في وطنه، وأن يكون قريباً من أسرته، إلى جانب عدم رغبته في الانتقال، مشيراً إلى أن الفارق في الأجور والمرتبات قد يساعد في الانتقال للعمل بين دول المجلس. وأوضح أن نسبة العمالة الوافدة التي تعمل في الدول الخليجية تعد عالية، مضيفاً أنهم يتركزون في وظائف يمكن شغلها بموظفين خليجيين، مشيراً إلى أن عدد الخليجيين العاملين في الوظائف ذات المهارات العالية، ومن ذلك المهندسين والمصرفيين والمحاسبين يعد قليلاً جداً، كما أن العديد منهم تنقصهم الخبرة اللازمة، لافتاً إلى أن المواطن الخليجي قليل الإقبال على الوظائف المتدنية في موطنه الأم، مؤكداً على أنه يصعب اكتفاء دول المجلس بأبنائها في بعض المهن. توحيد الإجراءات وأشار "د. أبو داهش" إلى أن تكوين قوات خليجية مشتركة تُعد فرصة مهمة لتوظيف الشباب الخليجي في هذه القوة، داعياً إلى المسارعة في التوجه للاتحاد الخليجي لوظائف القطاع المصرفي، إلى جانب توحيد الإجراءات والأنظمة، مؤكداً على أن توحيد أنظمة معاشات التقاعد والتأمينات في دول المجلس وتقارب المستحقات سيترك أثر واضح في حرية التنقل بين هذه الدول لأبنائها، لافتاً إلى أن نقاط التفتيش والجمارك في هذه الدول تعد من بين أهم المعوقات التي تحول دون سلاسة التنقل والعمل لأبناء المجلس. المُواطَنة الخليجية وقال "د. فهد بن حمود العنزي" -عضو لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة بمجلس الشورى- إن فلسفة توظيف الشباب بين دول مجلس التعاون قائمة على الفلسفة التي أوجد المجلس من أجلها، وهي التعاون في جميع المجالات، إلى جانب مفهوم جديد تبناه المجلس وهو المواطنة الخليجية، مضيفاً أن من أهم تطبيقاتها توظيف المواطنين وتسهيل تنقلاتهم بين دول المجلس وتوفير فرص العمل لهم، إلى جانب تذليل العقبات والصعوبات التي تواجههم، وكذلك تقديم مجموعة من المبادرات المهمة في هذا الخصوص. ولفت إلى حرص المجلس على توحيد الأنظمة والقوانين في المجالات التي تهم الشباب وتوظيفهم، ومن ذلك القوانين المتعلقة بسوق العمل والخدمة المدنية والتأمينات الاجتماعية والتنمية الإدارية وتوطين الوظائف، مشيراً إلى قرار المجلس الأعلى في دورته ال (14) التي عقدت في "الرياض" الخاص بالمساواة بين مواطني دول المجلس العاملين في القطاع الأهلي، وصدور قرارات تنفيذية على مستوى الدول لتطبيق القرار، موضحاً أن هناك دراسات تبناها المجلس الأعلى تضمنت التأكيد على استمرار الجهات الحكومية والأهلية في الدول الأعضاء في تطبيق سياسات الإحلال وتقليص عدد العاملين الوافدين. وأضاف أن من بين تلك الدراسات كذلك توفير معلومات سوق العمل في القطاعين الحكومي والخاص والعمل الحر فيما بين دول المجلس بسهولة ويسر لجميع مواطني دول المجلس، موضحاً أن الهيئة العامة كلَّفت المكتب التنفيذي بمجلس وزراء العمل ووزراء الشؤون الاجتماعية بجمع وتبويب وتبادل المعلومات ونشرها عن متطلبات سوق العمل، كما اأُتخذت قرارات بشأن مد الحماية التأمينية لمواطني دول المجلس العاملين خارج دولهم في أي دولة عضو. نقص المهارات وبين "د.العنزي" أن هناك عدد من العراقيل التي تواجه الشباب الخليجي عند رغبتهم الانتقال إلى دولة أخرى للعمل فيها، ومن أهمها عدم فهم متطلبات سوق العمل ونقص المهارات المطلوبة في سوق العمل والتركيز على مجالات بعينها، سواءً في التوظيف أو عند طلب الوظائف من قبل الشباب، إلى جانب المنافسة التي يجدونها من العمالة الوافدة، داعياً إلى تطوير مهارات الشباب في دول الخليج والاهتمام ببرامج التدريب المشتركة وتبادل الخبرات، إلى جانب الاهتمام بمخرجات التعليم والتوظيف ودراسة احتياجات سوق العمل. وشدد على ضرورة إنشاء بنك معلومات للوظائف المتوفرة في دول المجلس، وإيجاد قنوات تواصل مباشرة مع الشباب أو مع الجهات المعنية بتوفير الكوادر الوطنية في دول المجلس، داعياً الأمانة العامة للمجلس لتأدية دورها في مجال توظيف أبناء المجلس، مؤكداً على أنها الجهة التي لديها القدرة على تسليط الضوء على مثل هذه القضايا ووضعها على طاولة قادة دول المجلس ضمن أولويات جدول اجتماعاتهم، كما حثها على بناء جسور من التواصل بين مخرجات ومدخلات التوظيف في دول الخليج العربية، وعقد الورش والمؤتمرات التي تسلط الضوء على هذه القضية الحيوية التي تهم جميع شرائح مواطني دول المجلس وسماع وجهات نظر الشباب حيالها؛ تجسيداً لمفهوم المواطنة وتحقيقاً للتكامل في سوق العمل الخليجي. عقبات اجتماعية واقتصادية وقال "بندر بن عبد العزيز الضبعان" -مستشار في إدارة الموارد البشرية- :"إن عملية خلجنة الوظائف، أو ما يعني توطين الوظائف أمام الخليجيين في بلدان المجلس وإحلالهم محل العمالة الأجنبية تعد من أفضل الحلول، بحيث تستفيد هذه البلدان من عمالتها الوطنية داخل إطار المجلس، وتعيد ضبط التوازن "الديموغرافي"، لا سيما إذا علمنا أنه في الوقت الذي تتفشى فيه البطالة في دول، فإن دولاً أخرى تشهد ارتفاعاً في نسبة التوظيف"، مشيراً إلى أن العقبات الاجتماعية والاقتصادية هي التي تمنع الشباب والفتيات الباحثين عن عمل من الحصول على الوظائف المناسبة في أسواقنا الخليجية. ودعا إلى تذليل صعوبات الإجراءات "البيروقراطية" التي تعترض تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون؛ سعياً لتحقيق وحدة اقتصادية حقيقية على أرض الواقع، إلى جانب تفعيل مسارات السوق الخليجية المشتركة، عبر عدة مبادرات قد تساعد حكوماتنا الخليجية على تعزيز ذلك التوجه، مشدداً على أهمية الاتفاق على أهداف متوسطة وبعيدة المدى لتنمية الموارد البشرية؛ لإحداث نقلة نوعية في التعليم العام والجامعي مع تعزيز التدريب المهني والتقني. وأشار إلى أهمية طرح مبادرات قانونية تتضمن تقريب قوانين العمل والتقاعد؛ لتسهيل عملية العمل والتنقل بما يضمن حفظ حقوق الموظفين الخليجيين، وعدم تأثرها جراء الانتقال من سوق خليجي إلى سوق آخر، إلى جانب طرح مبادرات إدارية تتمثل في تفعيل فكرة إعارة الموظفين بين مختلف القطاعات الحكومية الخليجية؛ من أجل تبادل الخبرات وإحلال العناصر الخليجية محل الوافدين، مشدداً على أهمية المبادرات المعلوماتية التي تعني استحداث نظام إلكتروني حكومي للتدريب والتوظيف يتيح التوفيق بين العرض والطلب في أسواق العمل الخليجية.
مشاركة :