تخوض السعودية ما يشبه السباق ضدّ الساعة لنزع فتيل انفجار كبير تطال تداعياته مختلف أرجاء الإقليم، وذلك بعد تهديد إيران بردّ “مؤلم” على مقتل القيادي الكبير في حرسها الثوري قاسم سليماني الجمعة الماضية، في ضربة جوية أميركية على مطار بغداد الدولي، متوعّدة بأن “يشمل الانتقام المنطقة برمتها”، بحسب ما ورد في بيان سابق لمجلس الأمن القومي الإيراني. ويُجمع مراقبون على وجود مخاطر حقيقية لأي تصعيد عسكري بين إيران والولايات المتحدة على منطقة الخليج، ومن ضمنها السعودية كحليف كبير للولايات المتحدة وكمتزعمة منذ سنوات لجهود مواجهة سياسات إيران والحدّ من نفوذها في المنطقة. وقال الكاتب والمحلّل السياسي سايمون تيسدال “لا يمكن أن يكون هناك شك في أنّ إيران سترد بقوة في وقت ومكان تختارهما، وربما على جبهات متعددة”. وكتب في مقال له بصحيفة الغارديان البريطانية إنّ لدى إيران خيارات عديدة. فقد تضرب مراكز إنتاج وتصدير النفط كما فعلت بنجاح في الخريف الماضي باستخدام الصواريخ والطائرات دون طيار. ويمكن أن تحاصر مضيق هرمز عند مصب الخليج لإحداث صدمة نفطية دولية وإثارة اضطراب اقتصادي عالمي. وتعمل الرياض على تنسيق مواقفها مع العديد من العواصم ذات الصّلة بالملف وبحث سبل نزع فتيل التوتّر ومواجهة التداعيات المحتملة لأي تصعيد من قبل الطرفين الرئيسيين في الصراع؛ إيران والولايات المتّحدة. وقرّرت أن توفد، لهذا الغرض، نائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان إلى كلّ من واشنطن ولندن، حيث يتوقّع أن يلتقي كبار المسؤولين الأميركيين والبريطانيين لمناقشة التطوّرات المرتبطة بمقتل سليماني والتهديدات الإيرانية بالردّ عليه. وتجنّبت السعودية أن تعرض نفسها شريكة بأي شكل في عملية قتل القائد السابق لفيلق القدس ضمن الحرس الثوري الإيراني رغم مواقفها المعلنة من مختلف الأذرع المنفّذة لسياسات إيران في المنطقة. وقال مسؤول سعودي لوكالة فرانس برس، الأحد، إن واشنطن لم تقم بمشاورة الرياض بشأن الضربة التي قُتل فيها سليماني. وأضاف المسؤول الذي طلب عدم كشف هويته “نظرا للتطورات السريعة، تؤكد المملكة أهمية البرهنة على ضبط النفس للوقاية من أي عمل يمكن أن يؤدي إلى تصعيد”. وكانت الخارجية السعودية قد دعت، الجمعة، إلى ضبط النفس بينما طالب الملك سلمان بن عبدالعزيز بإجراءات عاجلة لخفض التوتر، في اتصال هاتفي مع الرئيس العراقي برهم صالح، حسبما ذكرت وكالة الأنباء السعودية. وفي اتصال هاتفي آخر مع رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي، شدد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على ضرورة تهدئة الوضع. كذلك دعت الكويت على لسان مصدر مسؤول بوزارة الخارجية إلى “التحلي بأقصى درجات ضبط النفس والحكمة إزاء هذه التطورات وصولا إلى معالجة سياسية تجنب المنطقة المزيد من التصعيد والمخاطر”. وتخشى الكويت تحمّل ارتدادات مقتل سليماني خصوصا وقد سارعت ميليشيا شيعية عراقية إلى الزجّ باسمها في الحادثة. وقالت ميليشيا عصائب أهل الحق التي يتزعمها قيس الخزعلي إن الطائرة الأميركية التي قصفت موكب سليماني في المطار انطلقت من الكويت وليس من قطر. وكانت قطر نفسها قد كشفت من خلال تحرّكات كبار مسؤوليها عما يساورها من قلق بالغ من تبعات مقتل الجنرال الإيراني خصوصا بعد رواج معلومات عن انطلاق الطائرة المسيرة التي نفّذت الغارة في مطار بغداد من قاعدة العديد الأميركية الواقعة قرب العاصمة الدوحة. وزار وزير الخارجية القطري الشيخ محمّد بن عبدالرحمان آل ثاني إيران على عجل ووجّه خلال محادثاته هناك مع الرئيس حسن روحاني دعوات إلى “التهدئة والحفاظ على الأمن الجماعي”. كما أجرى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الأحد، اتصالا هاتفيا مع الرئيس العراقي برهم صالح تمّ خلاله “استعراض مستجدات الأوضاع في العراق، ولاسيما الأحداث الأخيرة، والسبل الكفيلة بالتهدئة لتجنيب العراق والمنطقة المزيد من التوتر والتصعيد”، بحسب وكالة الأنباء القطرية. وتؤكّد ردود الأفعال على حادثة مقتل سليماني استشعار أصحابها لمخاطر حقيقية على الإقليم. وقال توماس جونو الأستاذ المساعد في جامعة أوتاوا الكندية “توقعوا ردودا إيرانية انتقامية بشكل مباشر أو عبر جماعات في العراق ولبنان وغيرها، تستهدف شركاء الولايات المتحدة في المنطقة بما في ذلك السعودية”.
مشاركة :