كنت ولازلت أرى أن معظم الجهود التي تقدم لتحسين وتطوير التعليم رغم أهميتها تتوجه للعوامل الخارجية أكثر من الداخلية، وللشكل أكثر من المضمون، وأنه بالرغم من الشعار المرفوع دائما حول ضرورة الاهتمام بالمعلمة - والكلام طبعا ينطبق على المعلم - إلا أن الواقع ليس كذلك، فهناك رأي يقول إن كل محاولات الإصلاح والتطوير المهني تركز على ما يجب أن تفعله المعلمة بدل التركيز على معرفة ما تقوم به فعلا، ولماذا ؟ أتذكر كيف كانت الطالبات يستنكرن حرص كثير من المعلمات على إنهاء المقررات في المواعيد المحددة أكثر أحيانا من الحرص على استيعاب المعلومات والمفاهيم، ويضقن ذرعا من التدريب الممل على نماذج من أسئلة الاختبارات السابقة الأمر الذي جعل المعلمة مقيدة بإطار معين من حيث المضمون والأسلوب والزمن، قيداً يفرض عليها عدم الخروج على النص نهائيا، والنتيجة أن الطالبة تعيش في عزلة عما يجري خارج المدرسة لأنها ملزمة بمعلبات ومعلومات محفوظة وأساليب مكررة. وإذا عرفنا أن التعليمات تنص على أخذ تواقيع المعلمات على إنهاء المناهج الدراسية حسب المواعيد المحددة، وعلى ضرورة التقيد في الاختبارات بمفردات المواد وبنسق معين من الأسئلة فإننا نستطيع فهم وتفسير سلوك هؤلاء المعلمات، وسبب انصراف اهتمامهن في هذا الاتجاه علما أن تلك التعليمات اتخذت احترازا بسبب حالات تقصير حدثت سابقا. المثال السابق يوضح أثر تفكير المعلمة ومفاهيمها على عملية التعليم سواء أكانت تلك المفاهيم مبنية على النسق السائد حولها، أو على تجربتها الذاتية وقناعاتها. يلاحظ من خلال ما تبديه معلمات لهن خبرة في التدريس أن هناك شعورا بالاستياء من موجات التجديد التي لم يكنّ شريكات فيها حسب رأيهن، وهذا النوع من التفكير ينعكس على طريقة مقاربتهن للتغييرالمطلوب، وقد سمعت من إحدى مشرفات اللغة العربية القديرات أن هناك معلمات يعتبرن بعض التطوير الذي أجري في الكتب يطعن في خاصرة اللغة، فالتقليل مثلا من التدريبات التي تطالب الطالبة بإعراب الجمل والمفردات مقارنة بالكتب السابقة، يعتبر من وجهة نظرهن إضعافا للغة، وكأنهن لم يلاحظن أن الفاعل الذي يعرب في الجملة بشكل صحيح قلما يسمع مرفوعا أثناء قراءة الطالبة ، أو تحدثها بالفصحى، وترى المشرفة في هذه الحالة أن المعلمة تتمسك بلا شيء طالما أن الإعراب لم يحقق الهدف منه وهو الضبط الصحيح ! من المهم الالتفات إلى ما يجول في أذهان المعلمات وفهم توجهاتهن الحقيقية للتعليم، والقيم التي يؤمنّ بها، وتمييز الفروق الفردية بينهن، والتعامل مع كل ذلك بجدية خصوصا في ظل الاعتقاد أن التطوير يتجاهل مطالبهن، ويزيد الإشكال بوجود مشرفات يشاطرنهن هذا الرأي ، أو مشرفات غير قادرات على إقناعهن بتغيير طريقة تفكيرهن، وإذا استمر الوضع الحالي فإن كثيرا من عمل وجهد الوزارة الذي لا ينكر لن يحقق النجاح المرغوب، وسيصبح التطوير مع الأسف بلا نتيجة..
مشاركة :