خلافاتنا وغياب الأرضية المشتركة - سهام عبدالله الشارخ

  • 7/22/2013
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

في كتابة (اغتيال العقل) يتحدث الدكتور (برهان غليون) عن المنهج السجالي في الجدال الذي يسود ثقافتنا العربية فيقول: "من خصائص المنهج السجالي حجب المسائل الحقيقية، أو تضييع جوهرها، والقفز عليها عن طريق الخلط بين قضايا ومطالب ليست واحدة.. أو استبدالها بقضايا جانبية تبعد النقاش عن هدفه العلمي"، ورغم أن المنهج بهذه الصفة يتنافى مع العلمية إلا أن اعتماده المنطق القائم على توظيف المفاهيم والدلالات بغض النظر عن موضوعيتها، واستخدامه أسلوب الخلط والتشويش للاستفادة منه في الصراع، وتحقيق المقصد، يعطيه شيئاً من المنهجية، حسب رأي المؤلف. ينطبق هذا الوصف على مشاهد الصراعات التي نعايشها منذ سنين على صعيد السياسة والدين والفكر والثقافة وغيره، والتي ساهمت في المزيد من الاهتزاز والتشتت في مجتمعاتنا، والحديث عن المصالحة والحوار الذي يتردد مجرد محاولة لذر الرماد في العيون، فما يطلبه كل طرف من المتصارعين هو هزيمة الخصم وإنهائه، ومن يعلن الحرب على الآخر لا يمكن أن يترك فرصة لإيجاد لغة وأهداف مشتركة، لأن "من مستلزمات الحرب رفض كل مناقشة داخلية أو مراجعة ذاتية "مع تبادل الاتهامات والطعنات والتركيز على شيطانية الطرف الآخر، وتهافت موقفه، إضافة إلى استغلال الظروف لتحقيق المكاسب، وتوظيف الأحداث والأفكار بالصورة التي تؤيد رأيه، حتى ولو وقع في التناقض، والنتائج هي زيادة الشروخ والخلافات، وانعدام الرؤى المستنيرة، والقدرة على إيجاد الحلول للمشكلات المتفاقمة يوماً بعد يوم. ومن أجل حشد المؤيدين يعمل كل طرف على التعبئة النفسية لمؤيديه، مستخدماً كل أساليب التأثير التي تعتمد على تخوين الخصم، ووسمه بأبشع الصفات. المشكلة في أي جدل وصراع يحدث مهما كان نوعه، أن الموضوع الظاهري للصراع غالباً ما يكون مجرد غطاء لمطامع وتوجهات فردية أو جماعية، وبالتالي فإن ما يساق من ادعاءات واتهامات يهدف إلى تقوية موقف كل طرف وإضعاف معارضيه. فالمهم "إخراس صوت الخصم..سواء بالحجة العقلية أم بالدسيسة أم بالخديعة السياسية أو بالآلة العسكرية"، والنتيجة هي الخسران، وحتى لو كان أحدهما على حق فإنه لن يكسب من هزيمة الآخر، طالما أنه لا أحد منهما سيستطيع النجاح بمفرده، لأن مصالحهما مرتبطة ببعضها البعض. ويزداد الأمر سوءا عندما تنبري أصوات وأقلام تصفق لكل فريق، وتدافع عنه، وتبرر مواقفه دون تمحيص وتقويم، لمجرد أن ما يطرح يناسبها، ويوافق مصالحها، فتزداد الأزمات ويقع المواطن العادي ضحية التضليل والتجهيل، وتتوسع بذلك منظومة الكذب والخراب. المراجعة الموضوعية الشاملة والبحث عن أرضية مشتركة حول كل قضايانا المؤرقة هي السبيل الوحيد للخروج من أزماتنا وتناقضاتنا.

مشاركة :