الغذامي: خسارة الخصوم وخدمة الحداثة

  • 5/27/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

لعلنا نتفق أن الدكتور عبدالله الغذامي منذ أن تحول من النقد الأدبي إلى النقد الثقافي ونقد الخطاب وهو يقدم منتجا مثيرا للجدل وينطلق من أدوات معرفية واسعة.. وهو يسعى دائما لقراءة الخطاب من جهة ونقده من جهة أخرى.. وجاء كتابه الصادر حديثا (ما بعد الصحوة تحولات الخطاب من التفرد إلى التعدد) ليلقي حجرا ثقافيا في البحيرات الفكرية الراكدة وتناول فيه تاريخ بداية وتشكل الصحوة وتحولاتها قارئا الخطاب وتعدديته.. يقول في مقدمته التي تبدو مهمة في الكتاب: الصحوة ظرف ثقافي حالها وصفتها كحال وصفة أي ظرف ثقافي آخر ليعقد مقارنة بين الصحوة والقومية العروبية ويقول: ولكن الملحوظ علميا أن دراسات تجنح لربط الصحوة ربطا عضويا مع الإسلام ومع التدين، وهو ربط نجده عند أنصار الصحوة وكذلك عند المستشرقين (المستعربين) ويقول: مما يسمح للتحليل المادي للأحداث أن يفترض أن تراجع الصحوة سيعني بالضرورة تراجع الإسلام نفسه وهذا ما يقوله الدارس المستشرق.. ويمضي في كتابه: كان على الصحوة أن ترتكب الأخطاء أولا، ثم تنتقد ذاتها ثانيا لكي تتحول من الانغلاق إلى الانفتاح. والصحوة ارتكبت أخطاءها الخاصة لكي تشبع نهم الحشود وترضي حماسهم وتعطشهم للفعل الحركي القوي والفعال وصار هذا عبر المبالغة في توظيف مقولة (سد الذرائع) وهي مقولة تميل إلى أخذ أصعب الخيارات في أي مسألة دينية خلافية، من مثل حجاب المرأة وقيادة المرأة للسيارة ومسألة النظريات الثقافية العصرية كالحداثة.. ويقول الغذامي في كتابه: إذ رأت قيادات الصحوة أن هذه مسائل ليست اجتهادية وأن فتحها للخيار الاجتهادي يفتح ثغرات على الإسلام يدخل منها التغريب والعلمنة، ولذا فإن التشدد فيها هو الحصانة المعنوية والعقدية التي تحمي سياج الأمة، ومن هنا شنت الحروب على كل من تسامح في هذه الأمور، وجرى تخويف الناس من أهل الإباحة وكأنما هي إباحية، وجرى تشويه صور هؤلاء وخلق جو من التوجس منهم، والتوجس منهم سيحمي المريد الجديد من الوقوع بخدعهم البراقة، وكأن الدين ليس في خيار الأيسر -كما هو نهج رسول الله صلى الله عليه سلم-، وصار الدين عندهم هو في أخذ الأشد. كان هذا هو أقوى ما في الصحوة، وهو أعتى أسلحة الحشود في ممارسة الاحتساب عبر الضغط لتحقيق المعاني الاحتسابية بصيغتها التشددية وفردانية الرأي وقطعيته ورفض أي رأي مخالف، ومجافاة الحجة والبرهنة بما أن الحالة هي حال معركة بين الدين والعلمانية وليست بين رأي فقهي ورأي فقهي آخر. ويتساءل في الفصل الأول: هل الصحوة منظومة أفكار أم هي منظومة حشود..!! ولو عزلنا عنصر الحشد عنها فماذا سيبقى إذن....!! ويطرح تحت عناوين متعددة تقرأ الصحوة وتؤرخ لها بمثل قوله: _ الصحوة/ علامة الصعود علامة الانحسار _ الصحوي (الجاد في ذاته/المتوجس من غيره) _ الصحوة/ نيران غير صديقة لكنها.. _ الصحوة: الانفجار الذهني _ الصحوة/ الليلة الظلماء _ الصحوة: خطة الطريق _ الصحوة/ من القاعة إلى المنصة _حكاية الصحوة/ كيف تقرأ ذاتك _الصحوة (الصحوات) _ كيف نضجت الظروف للصحوة _الصحوة/ سياقها الثقافي _الصحوة/ علامات ما قبلها _ الصحوة/ ملء الفراغ _الصحوة/ السياق الملون _ اللحية الثقافية وتعددية العلامة ــــ أفكار الصحوة _ الشيخ دون مريد _ لم يحن وقت الصحوة _صحوي ما قبل الصحوة _الامتلاء الرمزي/ الفراغ الرمزي _ الصحوة خدمت الحداثة _الصحوة تخسر خصمها _تفكك الحشد الصحوي _ كيف تفكك الحشد _خلاصة الصحوة _ منجزات الصحوة ويتحدث الدكتور الغذامي تحت عنوان الصحوة خدمت الحداثة لا بوصفه باحثا ومؤلفا وحسب بل لأنه أحد أهم رموز الحداثة الذين واجهوا معارك إن صح التعبير ويعترف أن الحداثة كانت فئوية ومحدودة العدد ولكن هجمة الصحوة ضخمت الصورة بأضعاف حقيقتها حتى وضعتها في واجهة المنابر وكنا نعرف ألا طاقة لنا بالقوم ولذا اتبعنا أسلوب المناورة التكتيكية. ويشير تحت عنوان آخر إلى أن الصحوة تخسر خصمها، حيث يقول: كانت الصحوة واهمة حين اختارت الحداثة خصما أوليا لها وكل الشواهد تدل على أن معارك الصحوة معنا تتكسر واحدة تلو أخرى، وتعرض لكتاب الحداثة في ميزان الإسلام للشيخ عوض القرني بأنه كتاب معيب علميا ومنهجيا وهو كتاب صناعة الظنون وينطلق من أوهام وليس عن معرفة ومؤلفه لا يملك أية مرجعية علمية عن مادته فهو لم يطلع على مؤلفات الناس الذين تعرض لهم ولا يفهم في نظريات النقد ولا نظريات الحداثة وتعدديتها. بعد ذلك يركز على (ثورة تويتر من المنبر إلى الحساب) ويسرد تغريدات للشيخ الكلباني ثم يمضي في قراءة تلك الصورة التويترية وتحولاتها الكبيرة.. مجمل القول إن كتاب ما بعد الصحوة.. تحولات الخطاب من التفرد إلى التعدد كان باستطاعته أن يكشف لنا حجم تأثير الصحوة بوصفها خطابا جماهيريا وجه المجتمع إلى مسارات متعددة وكنت أتمنى من ناقدنا وأستاذنا القدير الغذامي أن يقرأ لنأ تأثير الصحوة على المجتمع والمناهج الدراسية وعلى المدرسة وعلى الجامعة آنذاك، وكيف فرضت أنماطها وزرعت تأثيرها على كافة المشهد الفكري؟ وهل ساهم تأثير ذلك الخطاب الصحوي الذي يحظى بحشود في توجيه الشباب والزج بهم في مغامرات وخروج للقتال في مناطق الصراع؟ وهل ساهمت تلك الصحوة في اختطاف المتحمسين من الشباب واستثمار ارتمائهم في أحضان الصحويين وتوجيههم لتنفيذ مشروع الصحوة إن صح التعبير.. وهل للصحوة ضحايا بوصفها أكثر تأثيرا في الجماهير.. ولعلنا نذكر أن جزءا كبيرا مكرورا من كتاب (حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية) حضر في كتاب ما بعد الصحوة لكنه مضطر لذلك كون الحداثة آنذاك عاشت مواجهة مع الصحوة أو أنها هي التي تصدت وبشجاعة للصحوة في تلك الفترة المهمة جدا.. لقد غاص الدكتور عبدالله الغذامي جيدا في أعماق مجتمعنا الذي يعيش في مرحلة ما بعد الصحوة.

مشاركة :