الحرفيون في الولايات المتحدة بين مطرقة البطالة وسندان الفقر

  • 1/21/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

«في الماضي، اعتاد العمال القيام بالمهام الحرفية بأيديهم، والآن، نحن بحاجة إلى عمال يمكنهم إدارة الآلات»أستاذ الاقتصاد بجامعة شيكاغو، إريك هورست Eric Hurst56 ألف وظيفة وفرتها المصانع الأمريكية هذا العام، مقارنة بـ244 ألف وظيفة خلال العام الماضييتدفق حملة المؤهلات العليا على قطاع التصنيع في الولايات المتحدة بأعداد غفيرة تاركين الحرفيين معلقين بين مطرقة البطالة وسندان الفقر.وكما أشارت البيانات الفيدرالية، فالوظائف في قطاع التصنيع تتطلب بشكل أساسي مهارات متطورة لا يمكن أن يحصل عليها سوى حملة المؤهلات العليا بعكس الأجيال السابقة، التي كان من السهل التحاقها بأي وظائف حرفية دون شرط حصولهم على درجات أكاديمية.وفي سياق متصل، أشارت البيانات إلى أنه في إطار إستراتيجية قطاع التصنيع في الولايات المتحدة بالتحول تجاه التشغيل الآلي الذي زاد من إنتاج المصنع وفتح الباب أمام المزيد من النساء وقلص من تشغيل عمال ذوي مهارات متواضعة، ستبدأ المصانع لأول مرة في غضون الثلاث السنوات القادمة توظيف عدد أكبر من خريجي الجامعات، مما يعني أن المصانع ستقوم بتسريح العمال والحرفيين من ذوي المؤهلات المتوسطة.وتعليقًا على هذا التحول، قال إريك هورست Erik Hurst، أستاذ الاقتصاد بجامعة شيكاغو: «في الماضي، اعتاد العمال القيام بالمهام الحرفية بأيديهم». أما «الآن، فنحن بحاجة إلى عمال يمكنهم إدارة الآلات».منذ فترة الركود، وفر قطاع التصنيع في الولايات المتحدة أكثر من مليون وظيفة ، لكن مع الزيادة الكبيرة في نسبة الرجال والنساء الحاصلين على شهادات جامعية تقوم المصانع بتشغيل أعداد قليلة من حملة المؤهلات المتوسطة.في هذا الإطار، زاد التوظيف في وظائف التصنيع، التي تتطلب مهارات حل المشكلات الأكثر تعقيدًا، مثل المهندسين الصناعيين، بنسبة 10% بين عامي 2012 و2018، في حين أن الوظائف التي تتطلب مهارات أقل تراجعت 3%.بالمرور على أحد مصانع الآلات التابع لشركة «بايونير» في ضاحية أديسون بولاية شيكاغو، سيرعى انتباهك موظفون يرتدون قمصانا ذات ماركة بولو وسراويل جينز، بعضهم حاصلون على درجات علمية متقدمة، يقوم هؤلاء العمال بإعطاء أوامر مشفرة للروبوتات، التي تقوم بدورها بتصنيع مكونات الفضاء الجوية المعقدة في مناخ عمل مزدحم.هذا المشهد لم يكن موجودًا على الإطلاق في «بايونير» في حقبة التسعينيات، حيث كان الموظفون يرتدون زي الشركة لحماية أنفسهم من الشحوم المنبعثة من الآلات اليدوية، التي تعود إلى حقبة الستينيات، والتي استخدمت في صنع قطع غيار لأنظمة التدفئة والتبريد. حاليًا يعمل في الشركة 40 موظفًا فقط، حفنة قليلة منهم عاشوا فترة تشكيل القطع المعدنية البسيطة بشكل يدوي.وقالت أنيسة مثنى، رئيس شركة «بايونير» وأحد الملاك: «الآن، أصبحت التقنية هي الأغلب، ويستدعي ذلك وجود مهارة أكبر».وقالت السيدة أنيسة: إن شركة بايونير، التي تصنع قطع غيار لسيارات تسلا Tesla بالإضافة إلى سيارات فاخرة أخرى، حققت أعلى إيراداتها في العام الماضي. ويأتي نجاح الشركة امتدادًا لنجاح شركات أخرى في نفس المجال أو في صناعات أخرى نجت من الأزمة المالية.ومع زيادة التحسينات في الصناعات التحويلية ، استطاعت المصانع الأمريكية أن تكون أكثر إنتاجية من أي وقت مضى، على الرغم من نمو الوظائف في الآونة الأخيرة، تحتاج المصانع الأمريكية لعمال أقل بنسبة الثلث تقريبًا من مجموع ما يقرب من 20 مليون موظف كانوا يعملون في عام 1979، وهي فترة الذروة بالنسبة لعمال التصنيع.ووفرت المصانع ما يقرب من 56 ألف وظيفة هذا العام مقارنة بـ244 ألف وظيفة خلال نفس الوقت من العام الماضي. ساهمت التقنيات الجديدة في عمليات التشغيل الآلي أو الأتمتة، ناهيك عن المنافسة من الدول ذات الأجور المنخفضة ، ساهمت في تقلص وظائف التصنيع في الولايات المتحدة.لقد حجبت متطلبات الوظائف المتخصصة الكثير من الفرص أمام الطبقة المتوسطة، التي كانت في السابق تعمل بكل سهولة في قطاع التصنيع، لكن وظائف التصنيع الجديدة، والأكثر تقدمًا تدفع أجورًا أعلى، لكنها لا تتسع لهؤلاء العمال الذين انقطعوا عن الدراسة في سن مبكرة، وطبقًا لآخر الإحصائيات في هذا الصدد، أكثر من 40% من عمال التصنيع هم من الحاصلين على شهادات جامعية، علمًا بأن النسبة كانت ما يقرب من 22% فقط في عام 1991.في هذا السياق، قال ديفيد أوتور David Autor، أستاذ الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: «سوق العمل يتطلب المزيد من العمال لمَنْ لديهم مؤهلات وخبرات من الناحية المعرفية».ويسير المستقبل بخطوات متسارعة نحو ضخ استثمارات أكبر في عمليات التصنيع الآلية لزيادة معدلات الإنتاج، وهذا بالطبع يعني تقليصًا أكبر لنسب العمال والموظفين، ومن المتوقع أن تكون الروبوتات والذكاء الاصطناعي هي المسيطرة على إنتاج الصناعات، مع إتاحة القليل من الوظائف لخريجي الجامعات والمدارس الفنية.في سياق متصل، أنفقت شركة «أدفنتدج كونفايور» Advantage Conveyor Inc في مدينة نيويورك أكثر من مليوني دولار على مدار العقد الماضي على الآلات، التي تقطع وتثني المعادن والبلاستيك لأحزمة النقل، التي تصنعها الشركة، وتساعد الآلات الجديدة الفنيين على صنع المزيد من الأجزاء بشكل يفوق كثيرًا الأجزاء، التي كان يصنعها العامل باليد في الماضي البعيد.استدعى هذا التحوّل إعادة هيكلة العمال، فمنهم مَنْ تمت إعادة تكليفه بمهام أخرى لا تستطيع الروبوتات أداءها، ومنهم مَنْ تم تسريحه؛ لذلك قال فان ويب Vann Webb، رئيس الشركة: «لقد تحوّلت العمالة اليدوية إلى عمالة ماهرة، يجب أن تحصل فعليًا على شهادة لمدة عامين للعمل في متجرنا».كان جوشوا دالون Joshua Dallons، البالغ من العمر 28 عامًا، يحلم بأن يصبح مهندسًا نوويًا، ولكنه واجه تحديًا كبيرًا، حيث كان يعمل في نفس الوقت في متجر لمدة 30 ساعة في الأسبوع؛ مما أثّر بشكل سلبي على تركيزه الدراسي.«لقد واجهت هذه الأزمة»، قال دالونس: «كان عليّ الاختيار بين مواصلة دراسة الهندسة أو العمل في الحقل للحصول على دخل لتغطية نفقات الحياة».في النهاية، قرر دالونس الإمساك بالعصا من المنتصف بعدما أكمل برنامجًا تدريبيًا في مجال اللحام وقامت شركة «أدفنتدج» بتعيينه في عام 2014. والآن يعمل دالونس على جهاز كمبيوتر، حيث يقوم بتصميم تخطيط النقل، ويحصل على 25 دولارًا في الساعة.

مشاركة :