القدس 29 يناير 2020 (شينخوا) توقع محللون سياسيون إسرائيليون أن تشهد الأراضي الفلسطينية - الإسرائيلية، تطورات خطيرة خلال الفترة المقبلة، وذلك عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنود خطة السلام الأمريكية للشرق الأوسط والمعروفة إعلاميا باسم (صفقة القرن)، مشيرين إلى أن الخطة لم تأخذ في الاعتبار المصالح الفلسطينية على الإطلاق. وأكد المحللون في تصريحات منفصلة لوكالة أنباء (شينخوا) أن إعلان ترامب ل"خطة السلام" في هذا التوقيت تحديدا، لم تكن وليدة الصدفة، وإنما حمل التوقيت في طياته دلالات سياسية داخلية لدى كل من الرئيس الأمريكي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مشيرين إلى أن الزعيمين يناضلان من أجل إنقاذ مستقبلهما السياسي. وأوضح المحللون أن ترامب يحاول الخروج من مأزق مساءلته القانونية بتهمة إساءة استخدام سلطاته عبر مطالبته أوكرانيا بالتحقيق مع منافسه الديمقراطي جو بايدن واستغلال سلطاته من أجل عرقلة تحقيق الكونجرس. وقال المحللون "أما نتنياهو يتخذ الخطة كطوق نجاة أخير له للهروب من لوائح الاتهام ضده في قضايا الاحتيال وخيانة الأمانة والرشوة، قبل خوضه الانتخابات العامة الثالثة خلال أقل من عام". وتخوض إسرائيل انتخابات برلمانية (الكنيست) والمقرر عقدها في الثاني من مارس بعد فشل كل من نتنياهو وزعيم حزب أزرق أبيض بيني غانتس من تشكيل حكومة ائتلافية بعد جولتين من الانتخابات في أبريل وسبتمبر الماضيين. وتحدد الخطة دولة فلسطينية مستقبلية بشرط أن يستوفي الفلسطينيون سلسلة من الشروط في السنوات الأربع المقبلة، ولكنها لن تكون هذه هي المرة الأولى التي يقبل فيها نتنياهو إقامة دولة فلسطينية، فقد قام بذلك في عام 2009 لكن الظروف والشروط التي طالب فيها الفلسطينيون في تلك المرحلة تختلف عن الظروف التي أعلنت فيها صفقة القرن. ومن بين الشروط التي يجب أن يستوفيها الفلسطينيون التخلي عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من أراضيهم في حرب 1948 بين إسرائيل والفلسطينيين، وأن القدس كاملة تحت السيادة الإسرائيلية، بالإضافة إلى تجريد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وهي المنظمة التي تدير غزة من سلاحها. في حين يرى الفلسطينيون أن الضفة الغربية كاملة والقدس الشرقية جزء من دولتهم المستقبلية، الأمر الذي يجعل الصفقة غير مستقرة وخاسرة بالنسبة للفلسطينيين. وأعلن ترامب أمس (الثلاثاء) عن بنود صفقة القرن في مؤتمر صحفي مشترك عقده في البيت الأبيض مع نتنياهو، ولم يكن هناك أي حضور فلسطيني في المؤتمر الذي أعلن عن رفضه مرارا وتكرارا على الخطة حتى قبل نشرها. وكان ترامب قد أرجأ إعلان الصفقة عدة مرات سابقة قبل أن يقرر إعلانها يوم أمس، فيما تم الإعلان عن الجزء الاقتصادي منها خلال مؤتمر قادته أمريكا في البحرين في يونيو 2019، والذي قاطعه الفلسطينيون بشكل جامع. وقطعت السلطة الفلسطينية العلاقات السياسية والدبلوماسية مع إدارة ترامب في عام 2017 بعد اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل. ووصف نتنياهو الخطة خلال خطابه في واشنطن "بالاعتراف التاريخي"، فيما قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس في بيان تلفزيوني "نقول ألف مرة، لا لصفقة القرن". وقال عيران عتسيون، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق إن "الخطة أحادية الجانب للغاية ولا تأخذ في الاعتبار المصالح الفلسطينية على الإطلاق"، منوها أنه لا يمكن للفلسطينيين استخدامها حتى "كأساس للمفاوضات". وأضاف عتسيون لوكالة أنباء ((شينخوا)) "هناك احتمالية لتطورات خطيرة، ردود الأفعال حتى الآن معتدلة، ولكن قرار فرض السيادة والضم قد يشعل المنطقة، الأمر الذي سيشكل خطرا علينا". واستطرد "مثل هذه الخطوة ستكون صعبة للغاية، هذا أمر خطير بالنسبة للديمقراطية الإسرائيلية". ومن جانبه، قال نمرود غورين، رئيس المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية "ما رأيناه هو عكس الطريق التي ينبغي بها تقديم خطة سلام، وأن الخطة تخدم جانبا واحدا فقط من النزاع" في إشارة منه إلى أن خطة ترامب تخدم فقط مصالح إسرائيل على حساب الفلسطينيين. وتمثل الخطة تغييرا رئيسيا في كيفية تصور حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ففي الماضي كان من المتوقع دائما أن تقدم إسرائيل تنازلات مقابل وعد بالسلام وعدم العنف من جانب الفلسطينيين. وغيرت الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب النظام والأدوار، فالخطة أعطت إسرائيل معظم ما تريد قبل أن يحصل الفلسطينيون على دولتهم. وقال غورين لوكالة أنباء ((شينخوا)) "سيكون هناك ضرر حقيقي إذا اتخذت إسرائيل مثل هذه الخطوات التي ستقلل من فرص السلام في المستقبل". وأضاف " إذا غيرت إسرائيل الوضع الراهن، فإن ذلك سيؤدي إلى ردة فعل"، منوها إلى أن التوقيت بلا شك له "دوافع سياسية". ومن جانبه قال ناحوم برنياع، المحلل السياسي في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية إن التوقيت الذي طرحت فيه الخطة هو "المساهمة غير المتواضعة من ترامب في انتخابات نتنياهو، ونية ترامب للتدخل في الانتخابات هنا واضحة تماما". وتابع "نتنياهو يساعده، وهو يساعد نتنياهو، هو ليس أول رئيس أمريكي يعمل هكذا مع إسرائيل وليس الأخير"، منوها إلى أن إسرائيل هي "سياسة أمريكية داخلية". وقال المحلل السياسي الإسرائيلي عاموس هرئيل إن عرض الخطة هو الجهد الأخير لترامب من أجل انقاذ نتنياهو من "الشرك السياسي" الذي سقط فيه. وأضاف "في الحملة الانتخابية الأولى في إبريل الماضي اعترف ترامب بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، وأمس أظهر أنه مستعد للاعتراف بسيادة إسرائيل على المستوطنات في الضفة الغربية". ويواجه نتنياهو تهم بالفساد في قضايا تتعلق بالرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، وعلى إثر ذلك قدم على طلب الحصول على الحصانة البرلمانية من الكنيست الإسرائيلي قبل أن يعود ويسحبها أمس (الثلاثاء) قبل ساعات من إعلان (صفقة القرن). وبالنسبة للفلسطينيين، قال الرئيس الأمريكي ترامب أنها "صفقة ممتازة للفلسطينيين"، وهو مقتنع بأنهم سيوافقون عليها في نهاية المطاف، في حين كان رد الرئيس الفلسطيني عباس واضحا وسريعا بالرفض المطلق. وبحسب الخطة الأمريكية، فإن غزة والضفة الغربية ستتم إعادة ربطهما، لكن في المقابل سيتم نقل عدد من السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية ونقلهم إلى السيادة الإسرائيلية. وأشار المحلل السياسي الإسرائيلي تسفي برئيل أن أمريكا تعرض مليارات الدولارات كمساعدة لإعادة الإعمار والتطوير الاقتصادي للفلسطينيين، لكن دون أي التزام واضح أو جدول زمني لتحويل هذه الأموال. وقال برئيل أن نشر الخطة من شأنه أن "يسرع المصالحة بين فتح وحماس كجزء من الجهود لتنسيق النضال الداخلي والدولي لمواجهة الخطة". وتشترط الخطة من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية أن يتم نزع سلاح حركة (حماس) التي تسيطر على القطاع منذ عام 2007 بعد الاقتتال الداخلي مع حركة فتح. وقال برئيل "هذه شروط غير ممكنة وغير مقبولة ليس فقط من قبل حماس، بل أيضا من قبل عباس".
مشاركة :