فُسّرت الإشارة العابرة للانتخابات المبكرة في خطاب رئيس الوزراء العراقي المكلف محمد علاوي على أنها قد لا تؤدي خلال مدة قصيرة إلى تحقيق هذا الهدف المحوري للمنتفضين الذين لم يكن ضمن غاياتهم السياسية استبدال شخص بآخر. وتعمل الطبقة السياسية المتحكمة في المشهد العراقي على ألّا تعطي الفرصة لقيام انتخابات حرة نزيهة وفق قانون يغلق الأبواب أمام احتمالات الالتفاف والعودة إلى السلطة من قبل الفاسدين والموالين لإيران مجدداً. ورفض المحتجون صيغة القانون الانتخابي الجديد الذي توصل إليه البرلمان العراقي، فيما وجده البعض يعّد تراجعاً لهيمنة الأحزاب الكبيرة خصوصاً في اعتماد طريقة الانتخاب الفردي للمرشحين بالحصول على أعلى الأصوات ونظام الدوائر المتعددة على مستوى القضاء، وهي المحاولة التي اعتبرها المحتجون عودة من قبل الموالين لطهران إلى البرلمان الجديد. ويؤكد مراقبون أن الأحزاب العراقية الموالية لإيران لن تدع علاوي طليق اليدين في اختيار التشكيل الحكومي، إذ تحرص على الدفع بمن يلبي أجنداتها. ولم يعط علاوي خلال لقاءاته الاستكشافية لمشروع الانتخابات المبكرة أي اهتمام، في حين انصبت توجهاته على تكريس برامجه الحكومية كوعده بفتح مكاتب لمجلس الوزراء في المحافظات، لمتابعة دورها ولكي تتواصل مع المتظاهرين وتشركهم في اتخاذ القرارات. ولمس النواب الحاضرون في تلك الجلسة تركيز رئيس الوزراء المكلف على ملف ميزانيتي 2020 و2021 بما يؤشر على استمرار حكومته لأكثر من عام، في حين أنها حكومة انتقالية مهمتها الإعداد للانتخابات المبكرة وتجاوبت المرجعية الشيعية في أكثر من بيان مع مطالب المنتفضين بشأن الانتخابات المبكرة، حيث أكدت على أن “أقرب الطرق وأسلمها للخروج من الأزمة الراهنة، وتفادي الذهاب إلى المجهول أو الفوضى أو الاقتتال الداخلي، هو الرجوع إلى الشعب بإجراء انتخابات مبكرة، بعد تشريع قانون منصف لها، وتشكيل مفوضية مستقلة لإجرائها، ووضع آلية مراقبة فاعلة على جميع مراحل عملها تسمح بإعادة الثقة بالعملية الانتخابية”. ولم تتجاوب القوى المهيمنة على البرلمان مع الدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة أو حتى تشكيل “حكومة مؤقتة” تشرف على مرحلة انتقالية. ورغم الشعارات الدعائية لكتلة “سائرون” التي يقودها مقتدي الصدر بالتجاوب مع الدعوة، إلا أن مواقفه الملتبسة الأخيرة تجاه المتظاهرين السلميين تجعل من تحمّسه للانتخابات المبكرة محل تشكيك. وتطالب مختلف الفعاليات السياسية غير المنسجمة مع الرغبات الإيرانية في العراق بقيام حكومة انتقالية تحضّر للانتخابات، بل حذر بعض السياسيين من مخطط استمرار الحكومة الجديدة في مسارها التقليدي والذي يعني بقاء الأحزاب الحالية الموالية لطهران على هيمنتها في البرلمان الحالي والعمل على ترتيبات المرحلة المقبلة من الانتخابات. ويرى متابعون أن الانتخابات المبكرة تشكل ضربة قاسمة للأحزاب الموالية لإيران إذا ما توفرت الرغبة والإرادة من قبل رئيس الوزراء الجديد والظروف الموضوعية والتنظيمية لإجرائها. وتتخوف أوساط من أن تكرس الانتخابات المبكرة مواقع الأحزاب والقوى الحالية في ظل عدم بروز كيان سياسي جديد، وهذا ما ذهب إليه الباحث حيدر سعيد بالقول “الحركة الاحتجاجية لم تفرز أي كيان سياسي جديد، ففي حال إجرائها الآن ستفوز الكيانات المنظمة لها، بمعنى عودة نفس الكتل إلى البرلمان، والانتخابات في هذه الحال ليست حلًا، بل إنها ستضفي الطابع الشرعي على الكتل السياسية الحالية”. وتباينت آراء السياسيين والقانونيين بشأن القدرة على الإيفاء بالمتطلبات التنظيمية لإجراء انتخابات مبكرة. وأكد الوزير السابق عبدالحسن عبطان أن “حكومة محمد علاوي بحاجة إلى عام ونصف العام لإجراء انتخابات مبكرة” فيما اعتبر عضو الاتحاد الديمقراطي الكردستاني ماجد شنكالي أن الحديث عن الانتخابات المبكرة “هو ضرب من الخيال على اعتبار أن الصيغة التي تم فيها تشريع قانون الانتخابات أطلقت رصاصة الرحمة على قضية الانتخابات المبكرة، في ما يتعلق بالتمثيل على أساس الأقضية”، لأن ذلك وفق الموقف الكردي سيؤدي إلى تغييرات في التركيبة الجيوسياسية للمناطق المتنازع عليها. ويعتقد الرئيس الأسبق للدائرة الانتخابية في مفوضية الانتخابات مقداد الشريفي أن “الظروف الفنية ليست جاهزة لإجراء انتخابات في وقت مبكر، فهناك مشاكل كثيرة في قانون الانتخابات الجديد لم تحل بعد، فضلاً عن أوضاع مفوضية الانتخابات التي تحتاج إلى وقت طويل لكي تكون مستعدة لإجراء مثل تلك العملية”. ويحتاج قانون الانتخابات الجديد إلى إجراء تعداد سكاني وإعادة جميع النازحين إلى مناطقهم، ورسم الدوائر الانتخابية حتى يكون إلى حد ما مقبولا من الحراك، الأمر الذي اعتبرته سمية السهلاني، الناشطة في محافظة بابل، صعباً في ظل الظروف التي يمر بها العراق وسيطرة ميليشيات الحشد الشعبي على غالبية مفاصل الحكم.
مشاركة :