«الإقناع القسري».. أسلوب التنظيمات الإرهابية لتجنيد الشباب!

  • 6/2/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

فجرت الأعمال الإرهابية التي وقعت في القديح والدمام مؤخراً تساؤلات عديدة حول كيفية استقطاب التنظيمات والجماعات الإرهابية للشباب وصغار السن وإقناعهم بالإقدام على قتل أنفسهم وغيرهم وارتكاب مثل هذه الجرائم النكراء بحق الوطن، كما طرحت العديد من التساؤلات عن مسؤولية الأسرة والمدرسة في وقوع مثل هؤلاء الشباب فريسة لجماعات التكفير والتفجير، وهل ثمة تقصير من مؤسسات المجتمع في تحصين وحماية الشباب والناشئة من الانسياق الأعمى وراء أصحاب الأفكار المنحرفة والضالة؟ تأويلات ذاتية يرى د. دخيل الدخيل الله - أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة الملك سعود - أن كثيرا من التفسيرات والاجتهادات في هذا الجانب مجرد تأويلات ذاتية وتأملات شخصية بحتة بعيدة كل البعد عن الأسباب والبواعث الموضوعية لهذه الممارسات، التي تورط بها شبان في مقتبل أعمارهم، حيث تراوحت التفسيرات والتأويلات بين إرجاع السبب للتقصير من قبل البيت والأهل في التنشئة، أو قصور دور المدرسة في التربية، أو بسبب خطبة داعية اعتلى منبرا دون إدراك أن الإقدام على مثل هذه الأعمال لا يأتي بخير. وأكد على أن البحث العلمي في هذا المجال يكشف بوضوح أن التورط في هذه الأعمال ناتج عن عملية إعادة تنشئة للناشئة ممنهجة، قوامها طرق فاعلة في التنشئة وأساليب قاهرة في الإقناع، حيث لا تتم بطريقة عابرة، بل يتعرض لها الشاب عبر مراحل ووفق شروط ومطالب، ليجد الشاب نفسه في المحصلة النهائية لهذه العملية مندفعاً للتورط بمثل هذه الأعمال الإرهابية بكامل الحرية في الاختيار وبإتقان ومهارة وتفان. وأضاف أن هذا هو ما يشهد به واقع ممارسات بعض الشباب المتورطين في أعمال عنف وإرهاب، حيث تتم عملية إعادة التنشئة في بيئة من التأثير مناسبة، وتحت ظروف مواتية يتحقق من خلالها الإجهاز على عقول هؤلاء الشباب وتمارس فيها فنون الإقناع القسري باقتدار، إلى أن يصبح بفعلها الشاب لينا مطواعا يخضع بالطاعة لما يسمى «أمير الجماعة» باختياره ويساير بقية أفراد الجماعة الارهابية في التفكير والممارسة، مبيناً أن عملية إعادة التنشئة مبنية على مبادئ نفسية تحكم سلوك البشر. أسلوب خاص وكشف د. الدخيل الله بعض الحقائق التي انتهى إليها البحث النفسي الاجتماعي في مجال دراسة الجماعات التي تعمل على تخريج الشباب الإرهابي المندفع بقوة للانتحار، ومنها أن من يتورط بأعمال عنف وإرهاب يخضع لأسلوب خاص في الإقناع تستخدمه التنظيمات الإرهابية لتجنيد الشباب، ويعرف باسم «الإقناع القسري»، وهو في حقيقته عبارة عن عملية إعادة تنشئة تبدأ بالاستدراج وتنتهي بالتفجير والانتحار. وأوضح أنه تستخدم في هذه العملية آليات وحيل مقننة واستراتيجيات محددة، ومنها إظهار الاهتمام بالمستهدف بالدعوة للانضمام للجماعة من قبل الداعية، مضيفاً أنه يتم هنا التلطف عند التعامل معه، ومباشرته بأسئلة عابرة، كالتي تجري عادة على ألسنة العامة، من سؤال عن الحال والمشكلات الشخصية والأوضاع الاجتماعية ويتم ذلك برفق ولين يجذب المستهدف بها من الشباب وتجعله يأنس بالداعية ويأمن جانبه وينجذب إليه، وإظهار الداعية لما يوحي بمشاركة الشاب المستهدف بالدعوة الاهتمامات والمعاناة. إستراتيجية العزل وبين د. الدخيل الله أن من أهم هذه الاستراتيجيات المتبعة في تجنيد الشباب، ما يعرف باستراتيجية العزل والتدرج بالمطالب، مضيفاً أن الجماعات التي تجند الشباب لأعمال العنف والإرهاب تصر –عادةً - على اعتناق الأعضاء فيها لأيديولوجية الجماعة، موضحاً أن ذلك يتم على مراحل، حيث تكتفي الجماعة في البدء بمطالبة المجندين الجدد من الشباب بالانصياع، وبعد الشعور بالعزلة والوحدة يكون على استعداد تام لتقبل أفكار الجماعة دون تردد. ولفت إلى أن قدرة جماعات الإرهاب على تهذيب وتقليم وجهات نظر الأعضاء الجدد بالعزل والمساندة الاجتماعية تقاس بمدى نجاحها في عزلهم عن جماعاتهم السابقة من أهل وأصحاب، إلى جانب عزلهم أيضاً عن الفرق الأخرى التي تختلف مع الجماعة في المذهب أو الفكر، وذلك للحد من تعرضهم لأي شكل من أشكال التأثير المضاد، الذي قد يسهم في إضعاف إقبالهم على الانضمام للجماعة، حيث تقوض أي رابطة للعضو الجديد بالأفراد من خارج الجماعة. وأضاف أن الجماعة تعمل في الوقت نفسه على تمزيق الصلات بين الأعضاء داخل الجماعة نفسها، وعادة ما يتم حصر نطاق العلاقة بين الأعضاء داخل الجماعة الكبرى في شكل خلايا صغيرة لا يتجاوز عدد الأعضاء فيها – أحياناً - أكثر من عضوين، حيث تغلق كافة قنوات التواصل مع أي أفكار تراها الجماعة معارضة لما تم تشريبهم إياه من عقائد وأفكار، مبيناً أنه يلام من يتجرأ من الأعضاء على عرض أي آراء وأفكار ومعتقدات معارضة صادرة عن جماعات مخالفة. ملازمة الجماعة وبين د. الدخيل الله أنها تولد أيضاً شعوراً بالابتهاج والنشاط والحيوية، وتفتح أبواب الأمل أمام الشاب بمستقبل مشرق، كما أنها تعزز من تجدد العزم لديه لمواصلة النشاط والتعهد بملازمة الجماعة وتقوية الالتزام لديه بالعمل على تحقيق أهدافها، مضيفاً أنه مقابل ذلك يطالب «القائد» بشكل متكرر كل عضو في الجماعة بإظهار ما يشير إلى تعلقه وارتباطه بالجماعة علناً، كالإشادة بحكمة قيادتها والاجتهاد في خدمتها والوفاء بالتزاماته نحوها. وأوضح أنه يطلب من كل مجند أيضاً العمل على شيوع أفكار الجماعة وكل ما يؤكد على صدق انتمائه لها، إلى جانب استحداث هوية جديدة لتعزيز الانتماء للجماعة، ومن ذلك أن تكرر الجماعة تأكيدها للمجند الجديد من الشباب بأنه جزء من الصفوة المختارة و»العتقاء من النار»، مشيراً إلى أنه لتثبيت هذه الهوية تعمد الجماعة إلى مطالبة الأعضاء بتبني ما يشير إلى توحدهم مع بعض كجماعة، ومن ذلك – مثلاً - ارتداء ملابس معينة أو ممارسة حمية خاصة. وأضاف أنه يطلب من الأعضاء أيضاً إطلاق شعارات محددة أو ترديد ترنيمات وتكبيرات مجلجلة، فضلاً عن منحهم أسماء وألقاب جديدة، مبيناً انه يتم تعريفهم بالأعداء من خارج الجماعة وحثهم على كرههم ووصف الأعداء بأوصاف تقلل من منزلتهم وتحط من شأنهم، وقد تستسهل تكفيرهم وتبيح قتلهم، مشيراً إلى أنه من شأن هذه الممارسات أن تدعم انفصال الشاب عن ماضيه واكتساب هوية جديدة تعزز من الانتماء للجماعة الراهنة. مطالب صغيرة وأكد د. الدخيل الله أن من الاستراتيجيات الممنهجة والمتبعة في استقطاب وتجنيد الشباب ما يساعد على الوقوع في حبل الشراك، حيث يوافق الأعضاء الجدد في البدء على تلبية مطالب تبدو صغيرة، ومن ذلك أن يقرأ المنشورات الصادرة عن الجماعة أو أن يقضي إجازة نهاية الأسبوع خارج البيت مع الجماعة، مضيفاً أن الاستجابة لهذه الدعوة تعد مفتاحاً لانصياع لاحق أكبر، وفي حالة الاستجابة يظهر الأعضاء لطفاً وترحيباً حاراً باستجابات المجند الجديد من الشباب. وأشار إلى أنهم يظهرون ما يشير إلى الرغبة في مزيد من تواصله مع الجماعة، وبعدها يدعى المجند الجديد لقضاء أسبوع مع الجماعة، ومع الاستمرار في الاستجابة تتدرج الجماعة في تصعيد مطالبها، فيطالب الشاب بحضور محاضرات أسبوعية، ثم يطالب بالالتحاق بحلقات دراسية متقدمة، إلى أن يبلغ الأمر بالجماعة بأن تدفع المجند الجديد إلى الالتزام بالإتيان بأفعال فيها بلوغ الجماعة لأهدافها، فقد يدفع لأن يأتي بفعل يبدو تنفيذه في البدء صعب، كأن يتعاون مع أعضاء آخرين في التخطيط للهجوم على منشأة. وبين أن هذه الاستجابة تسهل قبول أفعال أكثر صعوبة، كأن يلتزم في المرة المقبلة بالمشاركة في اختطاف شخص مطلوب للجماعة، وفي فترات لاحقة يستسهل الممارسة، بعد أن استمرأ المجازفة، فيبادر بتقديم نفسه كبش فداء بالمساهمة في تنفيذ عملية انتحارية، وهكذا يقع الشاب في حبل الشراك المنصوب له، مضيفاً أن الوقوع في الشراك وتأثير العمل يعد آلية في الإقناع تعرف باسم «تكنيك وضع القدم بالباب» . اعتراض محكم ولفت د. الدخيل الله إلى أن محاولات الجماعات الإرهابية في توظيف تكنيك وضع القدم بالباب بفاعلية أسفرت عن تورط كثير من الشباب في أعمال تطرف وعنف وإرهاب بحق أنفسهم ومواطنيهم وأوطانهم، مضيفاً أن استراتيجيات تجنيد واستقطاب جماعات الإرهاب للشباب تكتمل بالاعتراض المحكم على قبول أي معلومات معارضة لما تم تشريبه للمجند الجديد من أفكار، فبمجرد أن يتحقق للجماعة تشريب معتقدات وأفكار الجماعة لمن يتم تجنيده، وتتأكد من إيمانه بمعتقداتها، تعمد إلى تقييد تقبله لما قد يعرض عليه من أفكار ومعتقدات مغايرة. وأضاف أن الجماعة عادةً ما تواجه بالاستهزاء أي عضو من أعضائها يبدي شكوكاً حول سلامة معتقدات وأفكار وآراء الجماعة، وفي حالة تورط العضو الجديد في أي محاولة لنقد ما تم تشريبه من عقائد وأفكار يقرع ويلام ويؤنب، وقد تتجاوز الجماعة التأنيب إلى التأديب بالحرمان من المكافأة والعقاب على المخالفة بالتجاهل والسجن، ولتأصيل مشاعر البغض والكراهية لكل ما هو مختلف مع الجماعة تنزع الجماعة بشكل متكرر إلى وصف من هم خارج الجماعة بالانحراف والضلال والعمالة. وأوضح أن الجماعة تصر على تفسير أي استياء وامتعاض من قبل المستجد بأنه يعود إلى قصور في فهمه واعتقاده بسلامة رسالة الجماعة، ومن ثم يصبح بحاجة إلى إعادة تنشئة، مبيناً أنه يخضع بالفعل لعملية إعادة تنشئة مكثفة بشكل منفرد تحت رقابة مشددة، مشيراً إلى أنه يدلل على ذلك أن معظم من تورط في عمليات انتحارية في مناطق مختلفة من العالم هم أشخاص في مرحلة عمرية انتقالية بين المراهقة والكبر، وقد لوحظ ذلك بوضوح في الأحداث الأخيرة التي جرت في بلدة القطيف. التزام علني وأكد د. الدخيل الله أنه لضمان تغلبهم على إرادة الحياة وبعث إرادة قوية لديهم للإقدام على الموت، يدفع كل شاب من هؤلاء إلى الالتزام العلني، وذلك من خلال كتابة رسالة وداع خطية أو أن يعلن التزامه مباشرة على الهواء أو يلجأ إلى إعلان ذلك باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يحدث ذلك لديه التزاماً نفسياً بأنه لا مناص من الإقدام ولا مجال للتراجع عن ما عقد العزم عليه والتزم بالإتيان به علناً، لاسيما أن التجنيد غالباً ما يتم في سياق عزلة نسبية لخلايا صغيرة ترى في نفسها الكمال. وقال: «إن التحصين هو السبيل الأمثل لحماية الشباب من تأثير هذه الجماعات وفق ما انتهى إليه البحث في المجال، حيث انه يمثل سياجا فاعلا للحماية من الآليات والاستراتيجيات المستخدمة في الإقناع للانخراط في عضوية هذه الجماعات»، مضيفاً أن ذلك يتضمن التعريف بهذه الجماعات وأهدافها ومناهجها وآليات تجنيدها للشباب، إلى جانب تبصير الشباب بالآراء المغايرة لما اقتنع به مما عرفه عنها، وكذلك تدريبه على الرد على الحجج المعارضة لما اقتنع به». وأشار إلى أن ذلك كفيل بتثبيت ما اقتنع به وتحسين قدرته على الدفاع عنه، مضيفاً أنه مادام قادراً على الدفاع عنه، فإن التزامه به سيشتد ويقوى، موضحاً أن التحصين لا يتضمن توعية وتبصيراً مبالغاً فيه، موضحاً أن إثارة المخاوف قد تصرف الشاب المستهدف بالتوعية والتبصير عن تلقي الرسالة التي تهدف لتوعيته وتبصيره، كما أن المبالغة تفضي إلى إثارة شكوكه حول صدق ما تلقى من حقائق وأفكار مضادة لما كان يؤمن به من أفكار الجماعات التي ينتمي إليها. وبين د. الدخيل الله أن الممارسات في التأويل والتفسير تزيد من الاحتقان في المشاعر السلبية لدى جمهور الناس المتلقي لها، كما أنها تعطي مبرراً لمن ينتمي لهذه الجماعات أو يتعاطف معها بأن يكثف من التزامه بما يعتقد بأنه الصواب من سيىء المعتقدات والأفكار والآراء، بدلاً من أن يعيد النظر فيه ويسعى لتقويضه، مشيراً إلى أن علاج من تورط في أعمال عنف وإرهاب من الشباب يتطلب وجود عملية يجب أن تكون منهجية. وشدد على أهمية أن تتم هذه العملية بالتدرج وتمر بمراحل لكل مرحلة منها شروط ومطالب، على أن تبدأ أولاً بالعمل على تقويض ما تم للشاب تشربه من عقائد وأفكار مرفوضة تلقاها من الجماعة التي جندته في الأصل، وفي المرحلة الثانية يتم تعليمه وتشريبه معتقدات وأفكار بديلة مطلوبة ومرغوبة، وفي المرحلة النهائية لا بد أن ينصب الجهد على تثبيت ما تم للشاب تعلمه وتشربه من أفكار ومعتقدات بديلة عن طريق التعزيز بالمكافأة لما يطرأ من تغير على معتقداته وأفكاره.

مشاركة :