وسائل التواصل.. إلى أين نحن ذاهبون؟!

  • 2/21/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تكابد البشرية منذ بدء انتشار قنوات التواصل الاجتماعي المختلفة من خواء عاطفي اجتماعي تجاوز حدوداً غير مسبوقة في التاريخ، ويرجع السبب الرئيس لمثل هذه الحالة التي وصل إليها إنسان عصر «السوشال ميديا» إلى أنه وللمرة الأولى خلال مسيرة الإنسان ينتقل التواصل الاجتماعي من مرحلة المحدودية حيث كنا نتواصل مع عدد قليل جداً من البشر في محيط صداقاتنا ومعارفنا وأقاربنا إلى مرحلة التواصل مع مئات البشر حول العالم، فمن الطبيعي أن مئات البشر الجدد في محيطنا الاجتماعي سيزيحون بشكل تلقائي المعارف والأصدقاء والعائلة وحتى الوالدين والإخوة، ومن ناحيةٍ أخرى انتقل التواصل الاجتماعي بين البشر إلى مرحلة تختلف عمّا ألفه الناس عبر التاريخ حيث بات التواصل الاجتماعي نفسه يشغل الناس يومياً فانتقل التواصل الاجتماعي الذي لطالما مارسه البشر من كونه وسيلة إلى حاجة وضرورة ومظاهر، فالبعض كلما زاد عدد أصدقائه على مواقع التواصل الاجتماعي كلما أوهم نفسه بأنه متميّز عن غيره حتى لو كان هؤلاء الآلاف الذين انضموا لقائمة أصدقائه لا يعرفونه ولا يعرفهم على المستوى الشخصي. من جهةٍ أخرى تسببت مواقع التواصل الاجتماعي في حرف فلسفة التواصل الاجتماعي عن إطارها السليم من كونها فلسفة تراحم وتعاضد ومودة وعشرة بين الناس إلى فلسفة أعمال تجارية مصالح، فكثيرون يرون في عدد أصدقائهم جمهوراً يشتري منهم منتجات أو خدمات، فانشغل الكثيرون بالترويج والبيع والشراء مع آلاف الأصدقاء على حساباتهم ما انعكس بشكل بالغ السلبية على حياتهم الاجتماعية الخاصة. مواقع التواصل الاجتماعي ليست شراً مطلقاً، ولكن القول إنه من الممكن للإنسان أن يتحكم في تعاطيه مع هذه التكنولوجيا الجديدة هو كلام نظري بالنسبة للكثيرين يكاد يقترب من المستحيل، فكثيرٌ من الناس اليوم هم بين إدمان كامل لمواقع التواصل الاجتماعي، فهم يضيعون نهارهم وليلهم بالكامل حتى دون أن يجنوا درهماً ولا ديناراً، وآخرون منهمكون حد الجنون بالتواجد على تلك المواقع لجني أي قدر ممكن من المال. والظاهر أن الأزمة المجتمعية العالمية بسبب مواقع التواصل الاجتماعي تتصاعد وتتفاقم وليس العكس، ومن الواضح أن الأغلبية الساحقة في مجتمعاتنا قد استسلمت للأمر، ويشعرون بأنهم قد أسقط في أيديهم، وباتت المشكلة أكبر منهم. مواقع التواصل الاجتماعي حقيقة قائمة ولن تتمكن المجتمعات ولا حتى الدول من إيقاف اقتحامها لحياتنا الخاصة، ولن يتمكن أحد من إيقاف تغوّل هذه المواقع على علاقاتنا وعلى حياتنا الاجتماعية، ولكن أعتقد أنه آن الأوان لكي نبدأ مرحلة تثقيفية جادة وحقيقية على كافة المستويات دون استثناء سواء على مستوى الوعظ الديني، أو على مستوى التثقيف العام على كافة قنوات التواصل مع المجتمع، التقليدية والجديدة، لعلنا ننقذ ما يمكن إنقاذه من نسيجنا المجتمعي وخاصةً الأسري والعائلي.

مشاركة :