قصة قديمة، بطلها رجل يملك حصاناً فتياً قوياً قادراً مجرباً، لكنه يعشق الاستحواذ والسيطرة والتملك ويعجز عن رؤية غيره تحت الضوء. أقنعوه يوماً بأن يخوض حصانه السباق بعدما كثرت الأحصنة التي يمتلكها آخرون، وبعد انشغال الناس بالسباقات وجوائزها الضخمة، إضافة إلى أن الفوز سيعيد للحصان وهجه وسمعته. دخل الرجل السباق مع حصانه مجبراً لا قانعاً، وأطلق المنظمون رصاصة البدء في الهواء إيذاناً بانطلاق المباراة فركضت كل الأحصنة بسرعة إلا حصانه، وعندما أعلنت النتائج وكان اسمه الأخير قدم صاحبه باسماً وأزال السرج الحديدي الثقيل عن ظهر حصانه والحبال من قدميه، وعندما سألوه كيف تجعله يخوض سباقاً وأنت تثقل ظهره بالحديد وتقيد أقدامه؟ فأجاب:«أحب حصاني لكنني أحب نفسي أكثر منه... حتى لو خسرت». تذكرت تلك القصة وأنا أسمع عن موافقة الحكومة الكويتية «الرشيدة» على تأسيس شركة مواشي ثانية إلى جانب الشركة الأولى، وعن اتجاهها للموافقة على تأسيس شركة لاستقدام العمالة، وعن رفضها تخصيص الخطوط الجوية الكويتية بكل الألاعيب والتسويات الفاشلة مع بعض النواب. ففيما العالم بأسره يجاري التقدم بتقليص دور القطاع العام إلى أدنى درجة وتفرغه لخدمة الناس مباشرة بل واستفادته المالية من تقدم القطاع الخاص، نجد حكومة الكويت تزيد إلى أعباء القطاع العام عبئاً جديداً، وتوافق مثلاً على تأسيس شركة ثانية للمواشي يعرف الجميع أنها لن تتنافس مع نظيرتها الأولى وبالتالي لن تتحقق الغاية المرجوة من إنشائها، إضافة إلى أن هناك سوقاً تنافسياً قائماً في الواقع من خلال الشركات الخاصة التي تستورد المواشي واللحوم ومشتقاتها... قد يصدر تبرير حكومي مفاده أن النواب طالبوا بإنشاء الشركة الثانية وهو تبرير مرفوض ومردود على قائليه لأن الحكومة رفضت إنشاء الشركة بداية، فهذا من صميم سلطاتها والكويتيون يعرفون أن ليس كل ما يطلبه النائب يطاع. وما يسري على شركة المواشي يسري أيضاً على التوجه إلى تأسيس شركة استقدام عمالة وافدة أو غيرها من الشركات التي يمكن للقطاع الخاص أن يقوم بدوره من خلالها على أكمل وجه مع رفع العبء عن القطاع العام. أما الخطوط الجوية الكويتية، فسينكشف قريباً الدور الذي لعبته الحكومة في إعاقة تخصيصها مفضلةً إبقاء هذه المؤسسة الضخمة رهينة الخسائر والتراجع مع تنفيعات خدماتية وسياسية على جعلها مؤسسة رابحة مع تنفيعات اقتصادية ووطنية. كما سينكشف دور اشخاص بعينهم استخدموا «الأوامر التغييرية» بالتعاون مع بعض النواب ورقة إعاقة كلما حصل تقدم في إنجاز مشروع خصخصة الشركة. الحكومات المتعاقبة في الكويت كانت شاطرة في الكلام وجامدة في التنفيذ، هذه الحكومة لم تعد حتى شاطرة في الكلام، أين الخطط والبرامج الاقتصادية لفتح الطرق أمام القطاع الخاص؟ أين المؤتمرات المشتركة وورش العمل التي تشرح فرص ومجالات العمل لا للمستثمرين الأجانب فحسب بل لأرباب القطاع الخاص في الداخل؟ وأين الثورة المطلوبة في القوانين أو أطرها التنفيذية لجعل الكويت مركزاً مالياً متقدماً؟ ولماذا شكّلتم منذ عام 2013 المجلس الأعلى للتخصيص وأنتم لا تؤمنون بالخصخصة؟ وماذا فعل المجلس على أرض الواقع؟ ولماذا لا تعرض عليه كل المشاريع المطلوب تخصيصها ليقول هو كلمته بدل أن تبقى الكلمة للحكومة وللصفقات بينها وبين المجلس. وقبل هذه الأسئلة وغيرها، نسأل عن الآليات التنفيذية لما تم لحظه للقطاع الخاص في الخطتين التنمويتين الأولى والثانية بما يزيد على 15 مليار دينار، هل تريدون أن تشرحوا للكويتيين لماذا لم تجد المشاركة طريقها إلى الواقع من خلال عشرات الاشتراطات والمعوقات والإجراءات المعقدة التي يواجهها القطاع الخاص؟ نحن سنتحدث عن عامل واحد فقط هو موضوع الأراضي وكيف أن كل مشروع يتكلف جهداً ودراسةً وتخطيطاً والتزامات ثم يتوقف عند قصة الأرض ويتسيس وتنتصب أمامه عشرات العوائق... وحتى البنك الدولي أورد في تقريره عن المشاكل التي تواجه عمل القطاع الخاص في الكويت قصة الأرض واحتكارها من قبل الدولة كعامل أساسي من عوامل الجمود الاقتصادي. هناك احتكار من قبل الدولة للأراضي، واحتكار للشركات الخدماتية الضخمة، واحتكار لشركات العمالة الوطنية، واحتكارات أخرى لا تتوقف الحكومات عند سلبياتها لأنها لا تفهم أبسط إيجابيات الاقتصاد، فكل احتكار لقطاع معين يؤدي إلى خسارة الدورة المالية العامة للاقتصاد الوطني قيمة كبيرة، وليت الحكومة تتعلم فقط من تجارب دول عربية وعالمية خصخصت على سبيل المثال شركات طيرانها، وكيف تغيرت الأمور وتبدلت وصارت التجربة عاملاً مربحاً لخزينة الدولة نفسها وعاملاً جاذباً للاستثمارات الخارجية وعاملاً مهماً في تكريس واقع اقتصادي ومالي وتجاري مستقر يساهم في إنعاش قطاعات أخرى. الاحتكار يعني خسارة قيمة للناس، وقيمة للقطاع الخاص، وقيمة لخزينة الدولة نفسها التي ستجني من غياب الاحتكار ربحاً لم تعرفه، وستزيل عن كاهليها أعباء لم تعد تستطيع تحملها وينعكس بقاؤها سلباً على مجمل قطاعات الدولة. لكنها حكومة الكويت... التي تشبه تماماً قصة الحصان وصاحبه، هي تدعي أنها تريد للقطاع الخاص أن ينطلق وتضع على الورق كل المشاريع والخطط، ثم تثقل ظهره وتقيد يديه وقدميه وتراقبه كيف يمشي ببطء ويتعثر فيفضل العودة إلى ميدانه الذي يبرع فيه. حكومة الكويت تدعي أنها تحب القطاع الخاص لكنها تحب نفسها أكثر وتحب الاستحواذ والتملك والتفرد، وعندما تطلق رصاصة البدء في «تمثيلية» السباق والرغبة في الفوز والنجاح، فإنما لا تطلقها في الهواء بل على قدمها... يبقى الحصان في مكانه وتعجز هي عن السير. جاسم مرزوق بودي
مشاركة :