عندما كتبت قبل نحو أسبوعين أن أهم ما في النطق السامي لصاحب السمو الأمير في العشر الأواخر تأكيده أن لا تراجع عن الحريات والمكتسبات الدستورية مهما كانت التحديات كبيرة، اعتقدت أن ذلك من البديهيات وأن هذا التأكيد يحظى بإجماع مطلق... لكن اعتقادي كان خاطئاً وتبين أن موضوع الحريات يزعج كثيرين بل إن الحرب على الحريات هي هدف أول لكثيرين . مناسبة الكلام الأنباء التي رشحت عن نية الحكومة تعديل مواد في القانون الرقم 3 لسنة 2013 ومن خلال مرسوم ضرورة ، الأمر الذي يسمح بتمديد فترة الحجز الاحتياطي أمنياً إلى أربعة أيام بدل يومين وأمام التحقيق 21 يوماً بدل أربعة أيام ... حسب ما ترتئيه أجهزة الأمن أو دوائر النيابة العامة. طبعاً الذريعة الحالية هي أن الوضع الأمني يتطلب إجراءات استثنائية خصوصا بعد جريمة تفجير مسجد الإمام الصادق وفي ظل التحديات الإرهابية التي تعيشها الكويت.... وهنا لا بد من كلام واضح وصريح رداً على ذلك لأن المعيار لا يقبل القسمة فإما أن نكون مع الحريات وإما أن نكون ضدها، ونحن بالتأكيد نعتبر مكتسباتنا الدستورية والديموقراطية الأوكسجين الذي لا يمكننا أن نتنفس من دونه. أولا، لا بد من القول إن وعي الكويتيين بعد جريمة التفجير واعتصامهم بحبل الوحدة وتضامنهم وتآزرهم والتفافهم حول قيادتهم كلها عناصر وفّرت مظلة أمنية وليس العكس . أثبت الكويتيون أنهم هم من يفرض الاستقرار من الداخل كلما حاول الخارج ضربه، وأنهم الدرع الحامية للبلد، وحراس السيادة ، سابقين في ذلك كل القوانين والإجراءات الأمنية مع التقدير الكبير للدور العظيم والمبهر الذي قامت به الأجهزة الأمنية. مع التنويه إلى أن الكويتيين يفعلون ذلك بخيار حر وقناعة تامة وفي مناخ ديموقراطي يوفر لهم حرية التفكير والتصرف، ولذلك فأي محاولة للانتقاص من هذا المناخ إنما هو استهداف لخيارات الكويتيين الثابتة التي لم تكن لتتبلور لولا الحريات. ثانيا، يجب أن تفهم الحكومة أننا منحازون بالمطلق للحريات والديموقراطية تحت سقف القانون والدستور، ولذلك فإن كل خطوة تتخذ للتضييق على الحريات هي مشروع مواجهة مفتوحة مع المجتمع المدني وفي قلبه النابض السلطة الرابعة. ونعيد تذكير من يحتاج إلى تذكير بأن حرية التعبير عند المواطن الكويتي هي التي أظهرت مواقف الرجولة والشهامة مهما كان سقف الاختلاف عالياً في كل أزمة تعرضت لها الكويت وأهمها الغزو. ثالثا، إن تمديد فترة الحبس الاحتياطي أمر لا يتعارض مع ما جبلت عليه الكويت من قيم الحريات والديموقراطية فحسب، بل إنه يهدد في العمق الضمانات القانونية المانعة للتعسف. فالقضاء هو الجهة الوحيدة المخولة إقرار هذه الأمور، أما التوسع في إعطاء النيابة أو أي جهة أمنية صلاحية الحبس لمدد طويلة فيستوجب السؤال عن الضمانات التي يجب أن تتوافر لعدم تعسف هذه الجهات، فمع تقديرنا الكامل للدور الذي تقوم به إلا أن المسؤولين فيها هم في النهاية بشر والبشر خطاؤون والكمال غير موجود والنفس أمارة بالسوء، ويمكن لأي نزعات شخصانية أن تورط صاحبها بقرارات وتصرفات وأن تورط البلد لاحقا بأزمات سياسية... ولنا في التاريخ القريب الكثير من الشواهد. رابعا، إن هذه التعديلات يفضّل ألا تصدر بمرسوم ضرورة، وأن تتم مناقشتها في مجلس الأمة في دور انعقاده المقبل، فهذا الموضوع حساسيته عالية جدا ويهم المجتمع بأسره ويهدد صورة الكويت في الداخل والخارج. لذلك فمناقشته من صلب واجبات ممثلي الأمة المنتخبين الذين لا خير فيهم إن لم يفعلوا، والاستماع إلى مختلف الآراء من صلب واجبات الحكومة التي لا خير فيها إن استعجلت. عود على بدء، إن الكويت قوية بحرياتها ورسالتها، والكويت قوية بإنسانها الذي استظل بديموقراطيتها. والعلاقة الرابطة بين إنسانها وهذه الحريات هي التي حمت وطناً وحصّنت مجتمعاً... لا تضربوا هذه العلاقة إن كُنتُم فعلاً حريصين على الوطن والمجتمع. جاسم مرزوق بودي
مشاركة :