مِهنَة الصَّحَافَة مَحفُوفَة بالمَخَاطِر، الأمَان فِيهَا ضَئيل، والإبعَاد فِيهَا أَصيل، لذَلك دَائمًا تَجد الصَّحفيين يَأكلهم القَلَق، ويَعضُّهم التَّوجُّس والأَرَق، ولَن أَكُون هُنَا مِن الذين يَتخرّصون في القَول، أو يَكتبون مَا لَا يَعرفون، لِذَا سأَتحدَّث عَن رَجُل شُجَاع، وأَديب شعشاع، وأعنِي بِهِ الأديب المِصري الصَّديق «علاء الديب»، حَيثُ ذَكَرَ في كِتَابه: «وَقفة قَبل المُنحدر»، قَائلًا: (صِرت صَحفيًّا بِلَا عَمَل، فقَد صَدَر قَرار بإبعَادي عَن المجلّة التي أَعْمَل بِهَا، لسَبب لَا أَدريه. كُنتُ قَد أُبعدتُ قَبل ذَلك مَرّة، لأنَّني اتُّهمتُ بأنَّني عضو في مُؤَامرة لَم أَسْمَع عَنهَا)..! هَكَذا يَتكلَّم الأديب «الدِّيب» بسُخرية عَالية؛ عَن وَضعه في الصَّحَافَة، إلَى أنْ يَقول: (تَمنّيتُ في تِلك الأيَّام أنْ تَكون لِي حِرفة أُخرَى، سَمكري أو سبّاك، وأَحمل حَقيبَة حَديديّة عَلى ظَهري، وأصلح «بابور جَاز»، ولَكن كُلَّها كَانَت أشيَاء قَديمة مُفكَّكة، كتِلك الأفكَار التي تَملأ رَأسي: مَسامير، صَواميل، وقِطع مِن الخِرَق القَديمة المُمزَّقة)..! إنَّ الصَّحَافة مِهنَة تُدخلك إلَى عَالم الشُّهرة، وتَصعد بِكَ عَاليًا بسُرعة الصَّاروخ، ولَكنّها أيضًا قَد تَهوي بِك مِن الدّور السَّابِع، بَين عَشيةٍ وضُحَاهَا، مِن هُنَا قَال بَعض السَّلف: بِقَدْرِ الصُّعُودِ يَكُونُ الهُبُوطُ فَإِيَّاكَ وَالرُّتَب العَالِيَة وَكُنْ فِي مَكَانٍ إِذَا مَا وَقَعْتَ تَقُومُ وَرِجْلاَكَ فِي عَافِيَة إنَّ المَشهد الإعلَامي أمَامنا وَاضِح، ولَكُم أنْ تَعودوا بالصّورة إلَى الورَاء عَشر سَنوَات، لتَتأمَّلوا مَن الذي بَقي، ومَن الذي رَحَل مِن عَالَم الصَّحَافة؟ وهَل مَن رَحَل كَان لَديه مَصدرٌ آَخَر للرِّزق غَير مِهنَة الصَّحافة؟ أو هَل يَستطيع أنْ يَعمل سَبّاكًا أو حَدّادًا؟ أم أنَّه لَا يَقدر عَلى ذَلك مِثل الأديب «عَلاء الدِّيب»..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي أنْ نُذكِّر أربَاب الصَّحَافَة وأصحَاب الإعلَام؛ بالعِبَارة التَّاريخيّة التي تَقول: (قَطع الأعنَاق ولَا قَطع الأرزَاق)، فالله الله يَا أَهل الصَّحَافة، قَبل أن تُبعدوا أي صَحفي مِن عَمله، فكّروا بِهِ وبأُسرتهِ، مِن أين ستَكون لَهُم الحيَاة الكَريمة، التي كَانوا يَعيشون فِيها قَبل فَصل مَعيلهم مِن الصَّحَافة..؟!!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com