مَن يَتتبّع سِيَر المُبدعين والعُظَمَاء؛ يَجد أنَّهم يُعانون مِن مَرَض اسمه «غَفلة الصَّالحين والمُبدعين».. وأقصُد بالغَفلة؛ تِلك الحَالَة التي تَتلبّس المُبدع، حتَّى يَنسَى نَفسه، ولَا يَعرف كَيف نَسي الأشيَاء التي لَا تُنسَى، وأهمَل الأشيَاء التي لا تُهمَل..! ولَعلَّ أبرَز مِثَال عَلى الغَفلة، هي غَفلة ذَلك الأَديب الذي أَخَذ يَبحث عَن نَظّارته لمُدّة سَاعة، وإذَا هي فَوق أَنفه، مُرتدياً إيَّاها، أو مِثلَما حَصَل مَعي- وأنَا نَاشئ في رِحَاب الإبدَاع- حِين اتّصلتُ بجَاري وقلتُ لَه: هَاتفي الجوّال مَفقود، فهَل يُمكن أنْ تَصعد قَليلاً إلَى مَنزلي لتَبحث مَعي عَنه؟ فقَال: «أنتَ تُكلّمني الآن مِنه.. فابحَث عَنه بجوَار أُذنك»..! ومِن غَفلة المُبدعين أنَّ الرُّواة يَقولون: إنَّ مَكتب أَديب فَرنسا الكَبير «بلزاك»؛ كَان صَغيراً جِدًّا، مَع أنَّ «بلزاك» يَحمل كِرشَة تَتدلَّى أَمَامه وكَأنَّها زِير مَاء، وكَان إذَا أرَاد أنْ يَكتب يَنحني بشدّة فَوق كِرشته، ومِن غَفلته أنَّه لَم يَخطر ببَاله أنْ يُخفِّف وَزنه، ويَبدو أنَّ كِرشته قَد تَدلّت مِن كَثرة المَعَاني التي يَبتلعها، إذَا آمنّا بمَقولة: «المَعْنَى في بَطن الشَّاعِر.. أو الكَاتِب»..! ومِن قصَص المُبدعين الغَافلين؛ المُطرقين في محرَاب الأَدَب والفَن، شَاعر ألمَانيا الكَبير «جوتة»، الذي كَان مِن غَفلته يَكتب وَاقِفاً، فإذَا قُدِّر لَك أنْ تَزور مَنزله في مَدينة فَرانكفورت؛ فستَجد رفُوفاً في مُنتصف الجِدَار، خَالية مِن الكُتب، وإذَا سَألتَ عَن سَبَب وجُود هَذه الأَرفُف؟ قَالوا لَك: لأنَّ الشَّاعِر كَان يَكتب عَليها وهو وَاقِف.. يَا إلَهي، لقَد نَسي وهو في خِضَمّ الإطرَاق في حَضرة الفَن؛ أنْ يُخصّص لَه مَكتباً يُمارس فِيهِ جنُون الكِتَابَة..! حَسناً.. مَاذا بَقي؟! بَقي أنْ أُشير إلَى أنَّ زَميلنا العَالِم «نيوتن»؛ لَم يَسْلَم هو الآخَر مِن غَفلة الصَّالحين، حَيثُ يُروَى أنَّه حِين كَان يَعمل عَلى تَجاربه في المُختَبَر، استَحدَث فَتحة يَستطيع الكَلب أنْ يَدخل ويَخرج عَبرها دون أنْ يُزعجه، ويَقطع حَبْل اخترَاعَاته، وبَعد فَترة اشترَى جَرْواً صَغيراً؛ وعَاد للمُختبر لاستحدَاث فَتحَة صَغيرة؛ بجوَار الفَتْحَة الأُولَى، ليَدخل الجَرْو بهدُوء مِثل الكَلب، رَغم أنَّ مَا يَتسع للكَلب يَتّسع لعدّة جِراء..!!! T: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com
مشاركة :