مساء الثلاثاء الماضي وفي أحد المطاعم الكبيرة بالمدينة المنورة شَدّ الرّواد مشهدٌ رائع، بعض مَن رآه لم يتمالك نفسه، وسقطت الدموع من عينيه تَأَثّراً!! فأحد الأوفياء قد أحضر والده الكبير والطّاعن في عمره إلى المطعم، وجلس بجواره يُحادثه ويُلاطفه، ثم بدأ بيديه يناوله اللقيمات وهو يمازحه!! يا الله ذلك الرجل الطيب لم تسرقه مشاغل الحياة وإيقاعها السّريع مِن بَرّ أبيه، والأهم أنه أراد أن يُشْعِرَ والِدَه بالحياة مِن حوله، وهذا ما يفتقده الكثيرُ من كبار السِّن، فانشغال أبنائهم وأقربائهم عنهم، يجعلهم غرباء عن الواقع، يعيشون على الهامِش، بعيدين تماماً عن نبض الناس!! ذلك الابن البَارّ بصَنِيْعِه قدّم درساً للمجتمع كلّه أبرز مفرداته: في زحمة الحياة وأحداثها المتسارعة وقضاياها السياسية والاقتصادية المعقدة أيها الأبناء لا تنسوا آباءكم وأمهاتكم، اقتربوا منهم أكثر، تلمّسوا حاجياتهم الاجتماعية والنفسية قبل المادية، أشركوهم في الرأي، ارجعوا معهم إلى عصرهم، تحدثوا معهم بلغتهم، وبالأمور التي يحبّونها ويُجيدونها!! أيضاً هذه مفردة من ذاك الدّرس تخاطب مؤسسات المجتمع المدني: أرجوكم لا تغفلوا عن حقوق أولئك الذين أفنوا أعمارهم في خدمة دينهم ووطنهم، أفيدوا من خبراتهم، ووفروا لهم الرعاية الخَدميّة والمجتمعيّة التي يستحقونها في شتى المجالات! أما المفردة الثالثة من درس ذلك البَارّ بأبيه فأرى فيها تأكيداً بأنّ الاهتمام بـ(محاربة التطرف والأفكار الضالة، والتوعية بخطورة الطائفية والعصبية والابتزاز، و...، و... غيرها من قضايا الساعة) قد أَسَرَ المنابر الدعوية والتربوية والإعلامية، واستهلك أصواتها، فانحسر إلى حَدّ كبير محاولة غرس العديد من القيم والأخلاقيات الإسلامية والإنسانية، ومنها (بِرّ الوالدين)، فكان الثمن العقوق الذي نتج عنه قتل الآباء للأبناء كما في حادثتين منفصلتين وقعتا الأسبوع الماضي!! أخيراً أجزم بأن العمل على ترسيخ القِيم والواجبات والأخلاق النبيلة في الناشئة، ومنها (رضا الوالدين) هو الدرع الذي سيقي شبابنا من الانزلاق في المتاهات الضالة والتطرف والعنف؛ فمن يَبَرُّ أبويه صدقوني لن يُفجِّر وطنه ومجتمعه!! aaljamili@yahoo.com
مشاركة :