عاشق البحر

  • 3/3/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

منذ طفولته كان البحر مركز عالمه ، مبعث إحساسه بالحرية ، يلهمه التفاؤل ، يملؤه بالتلقائية والانطلاق  ، ويصبغ أحلامه بالمرح والثقة  ، ترك مدينته الساحلية الصغيرة للدراسة في العاصمة ، لكن الحنين للبحر كان يغلبه ، فيعود إليه فى كل أجازة وفى نهاية الأسبوع .دفعه الطموح لدراسة الهندسة ، تفوق فيها ، فاختاروه لبناء منشآت مناجم اليورانيوم ، لكن المكسب المادي فى تلك المعيشة الجافة لم يكن لينسيه مشاعر الطفولة السعيدة  ، فقرر البدء من جديد تاركا خلفه رونق المنصب ووفرة المال. وفى ميناء خليج والفيش حيث نشأ فى ناميبيا وجد عملا لدى شركة قوارب سياحية  ، يقود إحداها ليطلع الراكبين على روائع الطبيعة والمشروعات المقامة بالميناء  ، أفكار مبتكرة أبدعتها عقول خلاقة ونفوس واثقة وارادات صلبة  أحدهم أقام هياكل حديدية بالميناء تترك عليها الطيور الوفيرة بقاياها فيصدرها سمادا  لأوربا ، وآخر استورد ذريعة قواقع من شيلى  ، لينميها فى براميل منثورة فى مياه الميناء  ، ثم يبيعها فى السوق المحلى ويصدرها  ، لينعم المستهلكون بقيمتها الغذائية الفريدة مهما غلا ثمنها القوارب تتهادى فى الميناء  ، والسائحون مبهورون بطبيعة بكر وألوان صافية ومناخ منعش وحيوانات مائية غفيرة وطيور متعددة الأنواع  ، و " انجو " الذي ترك الهندسة ليعمل بحارا ، وجد نفسه فى مياه الخليج مفعما بالحيوية والشباب تنتقل مشاعره السعيدة الى الركاب بقدرته الجذابة على التواصل  ، التي تعدت البشر الى حيوانات وطيور الميناء  ، فآلفوه وأصبحوا يميزونه ، ينادى الطيور بصفيره ،فيسرعون اليه أسرابا حول القارب  ، فيقدم اليهم والى كلاب البحر صغار السمك طعاما  كلاب البحر التى تتحرك متثاقلة زاحفة على البر تنطلق كقذائف الطوربيد لتلحق بالقارب  ، وتصعد اليه بحثا عن غذائها ، فتسرى عن ركاب مأخوذين بالتوافق  والصفاء مع الحيوان والطيور والطبيعة  والمناخ  ، يعودون من رحلتهم بحيوية متجددة  وابتسامة واثقة وروح مرحة وصور فريدة.  استقل  " انجو " بعمله ، فبدأ بقارب بخاري صغير ، ولكن حبه للبحر والكائنات ومشاعره السعيدة الفياضة جلبوا اليه الزبائن  والمكاسب ، فاستخدم دراسته وخبرته ووقته فى تصميم وبناء قارب كبير نموذجي فخم  ، يراعى الاعتبارات العملية ومتطلبات المتانة وتخفيض تكاليف الصيانة بمساعدة شركة إقليمية متخصصة وحقق بذلك وفرا بنسبة الثلث فى سعر القارب. كانت رحلتي الأخيرة فى القارب الجديد  ، وشاركت انجو الإحساس بالسعادة لتحقيق حلمه فقص على حكايته   رأيت كيف أصر على تحقيق ذاته  ، على أن يكون عمله متعته  ، على أن يترك الرغد ليبدأ من الصفر بحثا عن التوافق  ، على أن يهجر الرمال والمعادن ليتواصل مع البشر والحيوان والطير  ، على أن يستقل بعمله ويستخدم علمه لترشيد استثماره  ، على أن يبقى تلقائيا حرا  منطلقا  ، فينعم بالحيوية والشباب وينشر السعادة من حوله. انجو  ومستثمرا القواقع والهياكل الحديدية  أمثلة لعقول حرة وقلوب شابة وارادات واعية ، أقامت أعمالا مفيدة مجزية  باستثمارات قليلة وأفكار خلاقة  وهم يثبتون مجددآ  أن الثروة الحقيقية هى البشر  المتعلم  والنفوس السوية  ، وأن الفكر الحر مهما تثير تبعاته من مخاوف أساس لنهضة الأمم .

مشاركة :