كشفت الدوائر السياسية في روسيا عن توجه موسكو وأنقرة لتجميد «مؤقت» للصراع في سوريا، تلافيا لاحتكاك المواقف المتباينة بين الدولتين، مما أثار تساؤلات المراقبين: هل ستتمكن موسكو من حفظ ماء وجهها مع الأسد دون خسارة تركيا؟ يرى محللون روس، أن خطة موسكو الرسمية لإنقاذ دمشق لم تأخذ في الحسبان أن تحقيقها سيكون على حساب العلاقات الروسية مع تركيا، ومع ذلك، فلا تستطيع موسكو التراجع، ما يجعل علاقاتها مع أنقرة غير مستقرة، ولم يعثر الجانبان، الروسي والتركي، في مفاوضات موسكو الأخيرة، على حل لهذه المسألة. كما أن الحل النهائي لمعضلة إدلب مستحيل، من دون أزمة أخرى بين روسيا وتركيا. وتكاد تكون معجزة أن قوات البلدين لم تشتبك حتى الآن. ومع أن اجتماع مارس/ آذار الجاري في موسكو جمّد الوضع في ميادين المعارك السورية، إلا أنّه لم يمهد الطريق للتسوية، حيث العملية السياسية في مأزق. ورقة «إخوان إدلب» ومن جانبه يشير المحلل السياسي الروسي، سعيد غفوروف، إلى إمكانية اتفاق «إخوان إدلب» المسلمين، بوساطة روسية، مع دمشق للقضاء على الخصوم المشتركين وتقاسم السلطة.. وقال «غفوروف»: جرت في الكرملين مفاوضات بين رئيسي روسيا وتركيا، ومن المحتمل جدا أن يكون الحديث قد جرى في محادثات موسكو حول ضرورة أن تلعب روسيا دور الوسيط بين إخوان إدلب ودمشق، وأعتقد أن الرئيس بوتين وعد ببذل كل ما هو ممكن، انطلاقا من أن السلام أفضل من الحرب، وهذا يمكن أن يؤدي إلى نتائج مهمة، إلى درجة أن دمشق والإخوان المسلمين يمكن أن يُجْهزا معا على الخصوم في إدلب، والأهم، بالنسبة لأردوغان، هو الحفاظ على كرسيه، وهذا مفيد لنا أيضا، وعلى أردوغان، في ظروف عدم الرضا عن السياسة الرئاسية في حزبه، مساعدة الإخوان المسلمين من أجل البقاء في السلطة. ويرى المحلل السياسي الروسي، أنه من الممكن الاتفاق على عدد المقاعد التي سيحصل عليها الإخوان المسلمون في سلطة سوريا الجديدة، بعد الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في الثالث عشر من أبريل/ نيسان المقبل في سوريا، وإذا ما سُمح للإخوان المسلمين بخوضها، ستكون أمامهم فرص جيدة، لكن، بما أن الأحزاب القائمة على أساس ديني ممنوعة في سوريا، فسيكون على الإخوان المسلمين، شكليا تأسيس أحزاب علمانية. تركيا تلعب بورقة «قرة باغ» وهكذا.. أصبح التجميد المؤقت للصراع في سوريا، واقيا لاحتمالات المواجهة بين موسكو وأنقرة، في حين تصبح ورقة «إخوان إدلب» في يد روسيا طريقا للحل وإخماد جذوة الصراع.. وفي ظل الظروف الملتبسة فوق ساحات إدلب، حذرت صحيفة «أوراسيا ديلي» الروسية، من استعداد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان للعب بورقة «قره باغ» ضد روسيا، كما سبق أن فعل في 2016 ..وترى الصحيفة الروسية في تحليلها للموقف التركي، أن أنقرة غير مبالية بـ «ناغورني قره باغ»، وهي (منطقة انفصالية تعيش فيها غالبية أرمينية ترفض سلطة أذربيجان، بينما تدعم روسيا موقف أرمينيا في هذا النزاع )، ولكن إذا تدهورت العلاقات مع روسيا، فإن تركيا يمكنها استخدام التصعيد في هذه المنطقة كإحدى وسائل الضغط على موسكو ـ بحسب تقدير منسق مجموعة العمل بمركز آسيا الوسطى والقوقاز في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ألكسندر سكاكوف. ويرى مدير معهد الدراسات الشرقية التابع للأكاديمية الوطنية للعلوم في أرمينيا، روبين سافراسيان، أن أنقرة، على خلفية التناقضات الروسية التركية في إدلب السورية، قد تحاول من جديد توتير الوضع في جنوب القوقاز، في منطقة صراع قره باغ، بدفعها أذربيجان إلى التصعيد في المنطقة..وفي رأي «سافراستيان»، فإن أحداث أبريل/ نيسان 2016 في قره باغ، وفقا لكثير من المراقبين، كانت من تداعيات المواجهة بين موسكو وأنقرة في سوريا. تجميد الصراع.. فرصة لتلافي «الاحتكاك والتناوش» بين روسيا وتركيا ويبدو أن تجميد الصراع في سوريا ولو مؤقتا، هو الحل لتلافي «الاحتكاك والتناوش» بين روسيا وتركيا، وبحسب تحليل الباحث الروسي، ألكسندر خارالوجسكي، فإن الهدنة الهشة القائمة الآن في إدلب، تمنح بعض الوقت للتفكير مرة أخرى: ما الذي ينتظر البلاد في المستقبل؟ إحدى المشاكل الرئيسية في هذه الحالة هي أن عددا من الدول المجاورة للجمهورية العربية السورية لا تعتبر سوريا دولة مستقلة، ينبغي أن يحسب حسابها، بل «رقعة شطرنج» للعب، بعيدا جدا عن مصالح الشعب السوري. مطالب دول الجوار فوق «رقعة شطرنج» وبينما تسعى أنقرة إلى تحويل شمال البلاد إلى «منطقة عازلة»، وتواصل بعناد إقناع العالم كله بأن جزءا على الأقل من محافظة إدلب يعد منطقة لـ «مصالحها الحيوية» وسيطرتها على هذه المنطقة ضرورية للأمن داخل تركيا ومن أجل منع تدفق مزيد من المهاجرين إلى أوروبا.. فإن الأردن، أيضا، يسترشد باعتبارات مشابهة، محاولاً القيام بشيء مماثل، إنما ليس في الشمال، بل في جنوب سوريا، في محافظتي درعا والسويداء، ويجري الحديث عن «تعزيز الحدود» وإنشاء «ممرات إنسانية» ومخيمات للاجئين، فيما تفضل إسرائيل في هذه الحالة عدم سلوك طريقتها المألوفة بضم الأراضي، إنما بطريقة مختلفة، بالنظر إلى حقيقة أن مطالبات دمشق بمرتفعات الجولان مدعومة قانونيا، وينتهج الإسرائيليون تكتيكات إلحاق أكبر قدر من الضرر بالإيرانيين على الأراضي السورية من خلال هجمات صاروخية وعمليات قصف متلاحقة. الجيش السوري يستعيد عافيته ويرى معظم الخبراء العسكريين في العالم اليوم ـ بحسب الباحث خارالوجسكي ـ أن الجيش السوري، بعد تعافيه من المعارك الأخيرة، سيواصل الهجوم بكل تأكيد بهدف تطهير أراضيه من الجماعات الإرهابية بمختلف أشكالها، وجعل الظروف غير مريحة لبقاء جميع أولئك الذين يدعمون هذه العصابات ويوجهونها. فلا طريق آخر ببساطة، ويشير الخبراء إلى أن روسيا، في الواقع، كانت وما زالت الضامن الوحيد لوحدة أراضي سوريا.
مشاركة :