منى زيدو تكتب: دور المرأة في الأزمات المجتمعية

  • 3/17/2020
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

بما أن الأم ھي المَدْرَسة والمُدَرِّسة الأولى في عملية تنمية الإنسان والمجتمع على مرّ التاريخ،  إلا أنھ وبسبب غیاب دور ھذه المؤسسة عن عملھا وانشغالھا بأمور استھلاكیة بعيدة عن طبیعتھا  المعطاءة، نرى نتائج ذلك في راھننا في تحول المجتمعات بمعظمھا إلى مجتمعات استھلاكیة  غیر منتجة.   ھذه النتائج التي نعایشھا منذ أمدٍ طویل لا نزال ننظر إلیھا على أنھ القدر الذي لا بدَّ  منھ وقبولھ، مع العلم أن القدریة ھي فلسفة میتافیزقیة أو كما یحلو أن نسمیھا ما وراء طبیعیة  وأنھ على الإنسان القبول بھا حتى یُراد أمرُ الله.   مع أنھ لو نظرنا للتاریخ نرى أنھ كان للمرأة والأم الدور الحاسم في تشكیل المجتمع وتحدید  ھویتھ. ونرى ذلك حینما تفقد المرأة دورھا الریادي ویتم عزلھا في المنزل وإنجاب الأطفال  وإطاعة الزوج وما شابھ ذلك من مقولات لیس لھا أیة علاقة بالحقیقة المجتمعیة على مر  التاریخ. إلا أن كل ذلك یتم ربطھ بالدین من أجل إلباسھ قناعا غریبا عن طبیعة المرأة المنتجة  والرائدة في كافة العلوم والثقافات.   إنھ حال المرأة في مشرقنا الذي یعیش حالة من التراجیدیا والمأساة منذ قرون وحتى الوقت  الحاضر. فھي دائمًا الضحیة في الأفراح والأتراح وھي سبب معظم النكسات التي نعایشھا،  ھكذا یتم إلصاق التھمة بھا لمجرد أنھا امرأة لا شيء غیر ذلك. فیتم اشغالھا من قبل أرباب  العمل على تسویق منتجاتھم التكمیلیة وغیر الأساسیة لحیاة المجتمعات في أحسن الأحول، أو  أنھا معرضة للسبي والقتل كما رأیناھا في الأزمات التي تعرضت لھا بعض الدول في منطقتنا  على ید الفصائل المتطرفة المدعیة للدین. فلا الغرب أتاح للمرأة أن تلعب دورھا الریادي ولا  المشرق تركھا تقوم بما یقع على عاتقھا من أعمال وواجبات تجاه المجتمع.   طبعًا لا یعني مطلقًا وصول المرأة إلى بعض المسئولیات والمراكز في الدولة على أنھا باتت  قاب قوسین من حقوقھا، بل نرى أن معظم النساء اللواتي أصبحن في مراكز مسئولیة لا  یستطعن أن یعبرن عن حقیقتھن الطبیعیة، بقدر ما یسعین لتنفیذ من یُطلب منھن تطبیقھ أو حتى  قولھ إرضاءً للسلطة الذكوریة المتحكمة بأمور البلاد بشكل عام. المرأة المسترجلة یمكن  اعتبارھا مثالًا سیئًا لأي امرأة ترى حریتھا في استرجالھا بعیدًا عن طبیعتھا الانثویة.   وینبغي للمرأة أن تدرك أن لھا دورا كبیرا في القضاء على الكثیر من الأمراض المجتمعیة  المتفشیة في خلایا المجتمع من عادات وتقالید وموروثات عفى عنھا الزمن. وبكل تأكید إن غاب  الوعي عن المرأة وابعادھا عن تلقي التعلیم والثقافة، فلا نستطیع أن ننتظر دورًا كبیرًا من ھذه  المرأة أكثر من تلبیة احتیاجاتھا المادیة وغرائز الرجل الذي بیده مفاتیح المال والسلطة.   التعلیم لوحده لا یفي بالغرض ولا نستطیع أن نقول عن كل امرأة متعلمة بأنھ بمقدورھا أن تكون  رائدة في تطویر المجتمع. عملیة تطویر المجتمع یحتاج إلى علماء اجتماع وسوسیولوجیا وأن  تقحم المرأة نفسھا في ھذین المجالین وتكون فیھما منتجة للأفكار والمصطلحات وفلسفة المعاني التي تلعب دورًا كبیرًا في تطویر الثقافة المجتمعیة من شكلھا النمطي الذي نعیشھ نحو ثقافة تنقل  المجتمع من الاستھلاك إلى الانتاج ومن الاھتمام بالمادة كغایة إلى النظر للمادة كوسیلة للحیاة.    إنھا عملیة قلب موازین الحیاة ومحدداتھا المستقبلیة. وھنا یأتي دور المرأة في تنشئة وتربیة  الأطفال على أساس أنھا المدرسة الأولى كي تعلمھم أن الأخلاق أھم بكثیر من القانون وأن  الاحترام والمحبة ھو العطاء من دون مقابل، ومن یبحث عن مقابل یتحول إلى سمسار وتاجر  جشع تكون عنده الأنا فوق كل اعتبار. كیف للمرأة أن تقوم بوظیفتھا المجتمعیة في تنشئة جیل  یكون مؤمن أت سرّ وجوده یكمن في المجتمع ولیس بعیدًا عنھ، وھو لا شيء من دون الآخر.  مسؤولیات جسام أمام المرأة علیھا القیام بھا بعیدًا عمّا تؤمن بھ الآن بأن المادة ھو سرّ الحیاة،  بل أن الأخلاق والمحبة ھو أساس الحیاة ومعناھا ومن دون ھذه الأخلاق فلن نعیش إلا في  مجتمع الغابة كما نعیشھ الآن. فكیف للمرأة دور في حمایة طفلھا وأفراد عائلتھا من فیروس  كورونا وأن تحثّھم على الاعتناء بالنظافة ومحاربة اللا مبالاة علیھا أیضًا أن تقنعھم بأن ثمة  فیروسات أخطر من كورونا تقضي على المجتمع وعلیھم أن یكونوا دائمین الحذر من ھذه  الفیروسات. الأنا واللا مبالاة والسلطویة والوصولیة والمادیة والاستھلاك والنمیمة والاقصاء،  كل ذلك وغیرھا من الخصال ھي عدوة تطور المجتمعات وینبغي محاربتھا بلا ھوادة لبناء  مجتمع حر یكون فیھ الإنسان ھو الغایة ولیس الوسیلة.

مشاركة :