منى زيدو تكتب: دور المرأة في ريادة المجتمع

  • 1/30/2020
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

ولطالما كان للمرأة دور مهم في عملية بناء المجتمع منذ بداية الخليقة وحتى راهنا على مر التاريخ. فلا يمكن الحديث عن مجتمع تكون فيه المرأة مغيبة عن مسؤولياتها وواجباتها المعنية بالأساس في بناء الخلية الأم للمجتمع والتي أساسها العائلة. كثير من الفلاسفة والكتَّاب تناولوا هذه المؤسسة أو الخلية الرئيسية في بناء المجتمع وكيفية بنائها ومرتكزاتها وأهدافها، إلا أنه مع تطور المدنية لم نلحظ أي دور بنيوي للمرأة ما عدا أن تكون مسيرة من قبل رجل أو أنها مسترجلة تقلد الرجل في الكثير من الأعمال والوظائف. أي أنها لم تكن تقوم بعملها ومسؤولياتها على اعتبار أنها أنثى تصبغ مسؤولياتها بلونها هي بحد ذاتها، بقدر ما كانت ظلا أو انعكاسا لقوة الرجل أو الذكر في تقرباتها. وهذا ما يمكن التعويل عليه فيما وصلت إليه المرأة وكذلك العائلة ومنه المجتمع بحد ذاته. المرأة التي كانت إلهة منذ فجر التاريخ في معظم الحضارات القديمة نراها قد تحولت إلى كيانٍ لا حول لها ولا قوة تستجدي حقوقها من السلطة الذكورية التي استطاعت أن تتربع على عرش السلطة بعدما هزم المرأة في صراع مرير دام لآلاف السنين. وهذا ما نلاحظه في الملاحم التاريخية التي تخبرنا عن هذا الصراع الجنسوي بين الرجل والمرأة على مقاليد السلطة. ملحمة جلجامش ولعنة أكاد والألياذة وأسطورة إيزيس وأسطورة أوزوريس وأسطورة ست وأسطورة حورس في التاريخ الفرعوني، كلها تذكرنا عن هذا الصراع والذنب ما زال مستمرًا بأشكال مختلفة حتى وقتنا الحاضر في أن تستعيد المرأة مكانتها التي كانت عليها. بالنظر إلى الواقع لما تعيشه المرأة الآن نراها خائرة القوة تئن تحت وطأة المأساة التي تعيشها تركض وراء تلبية متطلبات الأنظمة الحاكمة، التي حولت المرأة إلى مجرد سلعة وآلة لإنجاب الأطفال وتربيتهم ليكونوا عبيدًا مخلصين جنودًا تحت الطلب لهذه الأنظمة المستبدة. وما الحرية التي يتم تسويقها بآلاف الأشكال على أنها الحرية المبتغاة وعلى كافة النساء الوصول لها، ما هو إلا خداع للذات أولًا وقبول هذا الواقع المرير في نهاية المطاف. مسننات دورة الحياة بدأت تنهش في نفسية المرأة كما جسدها حتى باتت هرمة وهي في ريعان شبابها، تبحث عن اقتصاد مستقل علّها تنجو بنفسها من هذه المحرقة والمسننات في آلة النظام الذكوري الذي لا يهمه إلا استمرارية سلطته على حساب المجتمع والمرأة على وجه الخصوص. كثير من التعريفات التي ينبغي إعادة التوقف عليها للوصول إلى حقيقة الحياة بحد ذاتها وبنفس الوقت كي يكون لها معنى. المعنى من الحياة والوجود هو التساؤل الفلسفي الذي ما زال يتم البحث له عن جواب شافٍ لاستمرارية العيش. وإلا لماذا نتمنى الموت آلاف المرات للتخلص من هذه الحياة التي حولت الانسان لمجرد مستهلك يعمل ليلًا ونهارًا كي يؤمن لقمة العيش في أحلك الظروف والأعمال. لكنه في النهاية حتى هو غير مقتنع بما يعيشه ويراه من فوارق كبيرة في الجهد والعطاء بين من يعمل ومن يحصد جهد هذا العمل. لذا، كي تعود للحياة معناها على الأقل لا بد من أن تستعيد المرأة دورها الريادي في قيادة المجتمع وبنائه من جديد على أسس حكيمة ووعي وإدراك لأهم خلية في المجتمع ألا وهي مؤسسة العائلة. فحينما نقول بأن المرأة هي نصف المجتمع، فإننا نريد أن نقول بأنها المجتمع برمته إن هي تعرفت على ذاتها وأدركت كينونتها وهويتها الذاتية بعيدًا عن ما تمليه عليها السلطة الذكورية بمختلف التقربات الدينية منها والقوموية. المرأة الحرة المدركة لذاتها هي أساس بناء المجتمع الحر ومن دون هذه المرأة لا يمكننا البتة الحديث عن مجتمع حر وانسان حر. إنها علاقة تبادلية متكاملة لا يمكننا الفصل بينهما. فحينما نرى أن المجتمع متأخر عن ركب الحضارة فهذا يعني في المقام الأول أنه علينا البحث والنبش عن دور ومكانة المرأة التي هي فيه، وأن لا نذهب بعيدًا في تقليد الغرب على أنه المجتمع المتطور وأنّ مجتمعنا متخلف. بل علينا فتح المجال أمام المرأة أكثر وأكثر بعيدًا عن التقربات الشكلية والاستهلاكية التي تعودنا عليها. حينها فقط يمكننا الحديث عن مجتمع بنّاء وعائلة مترابطة تخدم المجتمع لإنتاج الانسان الحر.

مشاركة :