العين في 17 مارس / وام / تعد القهوة التي تصنع من بذور البن المحمصة من أكثر المشروبات والسلع انتشارا حول العالم وأصبحت وسيلة للتلاقي مع الآخرين ما يعد سببا في شعبيتها وتسميتها "المعشوقة السمراء". ويعتبر تقديم القهوة من أهم تقاليد الضيافة في المجتمع العربي عامة والمجتمع الإماراتي خاصة وظلت تشكل جزءا أساسيا من الثقافة العربية على مدار قرون عدة وتتميز طريقة تحضيرها وتقديمها بتقاليد وآداب عربية أصيلة. وترمز القهوة إلى الكرم وحسن الضيافة التي يتميز بها المجتمع الإماراتي ما جعلها متأصلة بقوة في التقاليد الإماراتية. ونظرا للأهمية الثقافية والتراثية التي تحظى بها القهوة العربية قامت دولة الإمارات وعدد من دول الخليج العربي بإدراجها عام 2015 ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في منظمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو". وقالت غاية الظاهري الباحثة في الثقافة الإماراتية إن انتشار القهوة في منطقة الخليج العربي يعود إلى أكثر من 500 عام تقريبا إثر الامتداد الجغرافي والجوار مع المناطق الحجازية التي منها انتشر شراب القهوة إلى ما حولها عن طريق رحلات الحج بعدما وفدت هذه القهوة من موطنها الأصلي في اليمن عن طريق الأسفار التجارية ومن هناك تعرف عليها المجتمع الإماراتي. وأضافت أن "القهوة الاماراتية" لها احترامها وتقديرها المتعلق بقواعد الأدب والسلوك في المجتمع الإماراتي فلا يعد إكرام الضيف له شأن إذا لم تقدم له القهوة حتى ولو نحرت له الذبائح وقدم له ما لذ وطاب من طعام وشراب. وأشارت إلى أن القهوة تعد من المتطلبات الأساسية في كل بيت إماراتي فصار فنجان القهوة الرفيق اليومي الذي يبدأ معهم صباحهم ويكرمون به ضيفهم فنجدهم يحرصون على تزويد البيت بحبوب القهوة باستمرار قبل نفاد الكمية المتوفرة فلا يمر يوم والبيت خال من القهوة. وأوضحت أن القهوة الإماراتية التي تتميز عن غيرها بطريقة ودرجة تحميصها وإضافة "القناد" الذي يتألف من مواد عطرية نباتية مثل الهيل والزعفران وغيرها تصنع بعد صلاة الفجر مباشرة حيث كانوا وما زالوا يبدأون يومهم بفنجان من القهوة أما الوقت الآخر الذي تصنع فيه القهوة فهو بعد آذان العصر مباشرة ويطلق عليها "قهوة العصر" وهذه الأوقات المتعارف عليها هي الأوقات العادية أما إن كان هناك ضيف قادم فتصنع القهوة له في الحال. وذكرت أن الدلة تعتبر من أهم الأدوات المستخدمة أثناء تحضير القهوة فقد صُمّمت وزُيّنت بطريقة خاصة وتوجد منها عدة أنواع تُستخدم أثناء تحضير وتقديم القهوة ومنها ما هو متميز مثل "الدلة الفلاحية" التي تعتبر من الدلال الفاخرة وتنسب إلى قبيلة آل بو فلاح العريقة وتتميز عن غيرها بأنها رمز تراثي خاص يعبر عن أصالة النسب وتجسد أيضا مفهوم الهوية الوطنية الإماراتية وأنها صنعت من أجود الخامات من الذهب والفضة وتميزت بدقة صنعها وأناقة شكلها والتناسق بين الشكل والحجم. وأكدت الباحثة في الثقافة الإماراتية أن الفنجان الذي تقدم القهوة فيه يعد أداة يعبر بها أفراد المجتمع عن مختلف المواقف والأوضاع الاجتماعية التي تمجد الفضائل وتترفع عن الرذائل وفي مقدمتها خصلة الكرم التي ترمز للعطاء والجود والسخاء وقد عرف العرب بكل هذه المعاني قبل معرفتهم بالقهوة لكن هذا الفنجان أضاف المعنى الجديد والأساسي للالتزام الشخصي والجماعي في مواضيع اجتماعية شتى فهو يرمز إلى دلالات عظيمة في العادات والتقاليد والأعراف الأصيلة لدى العرب. وأضافت أنه من هذه الدلالات والعادات التي ترمز لها طلب الزواج كما يعبر فنجان القهوة أيضا عن الالتزام في أخذ العهود حيث يقال "بينا فنيان قهوة مشروب في حضرة خوان شما" وهذا التعبير له دلالة على توثيق الأمر بين الجماعة إذ أن القهوة مطلوبة وحاضرة في أي مكان يكونون فيه. وأكدت أن "المقهوي" وهو الشخص الذي يقوم بتقديم القهوة للضيوف حاز على مكانة مميزة في مجتمع الإمارات فتقديم القهوة يتطلب الكثير من الخبرة والمهارة والصفات والأخلاق الحميدة والمظهر الحسن واللياقة البدنية التي يجب أن تتوفر في من يقوم بتقديم القهوة لما يتطلبه هذا العمل من ثقافة تراثية أصيلة ومجهود بدني وذهني عال. ولفتت إلى أن القهوة لها قيمة معنوية كبيرة في المجتمع الإماراتي حيث أنها تقدم كهدايا بين الأهل والأصدقاء والجيران في مختلف المناسبات مثل شهر رمضان المبارك والانتقال إلى منازل جديدة ومناسبات الزواج .. منوهة إلى أن حبوب البن كانت هي الهدية التي ينتظرها الناس عند عودة المسافرين "الطروش" من الأسفار كما كان يحدث في أول ظهور لها عندما كان يجلبها الحجاج معهم وهم عائدون من أداء مناسك الحج وهنا تبرز صفة التكافل الاجتماعي التي هي السمة الغالبة بين أفراد المجتمع الإماراتي. وقالت غاية الظاهري : " بلغت أهمية القهوة في المجتمع الإماراتي أنه خلال فترة الحرب العالمية الثانية من عام 1940 م إلى 1945 م توقف استيراد البن تماما ما أدى إلى شح البن فأخذ الناس يبحثون عما يستعيضون به عن البن المفقود فاهتدوا إلى نواة التمر عوضا عنه، فصاروا يجمعون نوى التمور ثم يقومون بتنظيفه وتحميصه وطحنه ويضاف بعد ذلك إلى الماء المغلي ليتحول لونه إلى اللون البني ويغدو طعمه قريبا من طعم شراب القهوة وإن اختلفت النكهة". وأوضحت أن عاشق القهوة لا يستطيع الاستغناء عنها ويفضلها على كل طعام وشراب وإذا شح الماء قديما فذلك لن يشكل له أي معضلة حيث يقوم بحلب شاته أو ناقته فيغلي قليلا من البن مع الحليب لتحضير فنجان من قهوة بالحليب وهذه الطريقة في تحضير القهوة قد عرف منذ زمن طويل لدى بدو الصحراء في منطقة بينونة بالإمارات وفي المجتمعات الصحراوية العربية وقد نقلها الرحالة الأوروبيون وأصبحت تعرف في مجتمعاتهم بـ "كوفي لاتيه" التي هي في الحقيقة طريقة خرجت من تحت عباءة عرب بادية الجزيرة العربية.
مشاركة :