الفوضى من طبيعة البشر، والدولة -بشكل عام- منظومة مستجدة، يرى الكثير من الفوضويين أنها الشر بعينه، إذ إن الدولة في تعريفها الدارج منظومة تستند على استعمال الإكراه والقسر لمن لا يتبع قوانينها داخل حدودها. فبما أن الدولة تقسر وتستعمل أدوات الاجبار فكل الدول شريرة كما يقول الفوضويون، ولأن جميع الدول شريرة فليس على أحد أن يتبع القانون حتى وإن أجازته الأغلبية، وعلى الجميع أن يبطل منظومة الدولة وتلغى جميع الدول -حسب زعمهم-. إذ إن هناك نظامًا آخرَ أفضل من الدولة بجميع أشكالها ومنها الديموقراطية، ألا وهو القرار الشعبي، فتقوم منظمات شعبية مِن الجذور لتبني الموافقة الشعبية على أي قرار، هذا في رأي الكثير أفضل من الديموقراطية النيابية القائمة على قرار من يوكلون عن الشعب على الدولة في اتخاذ جميع القرارات، فتتم في هذا النوع من الديموقراطيات اتفاق أغلبية على أشخاص أو نظم وليس على أي أمر بعينه. ولكن الدولة في رأيي ورأي الكثير من علماء السياسة أمر لا بد منه إذ يتحرك البعض في غياب القانون إلى الإيذاء والقسر للإتيان بمصالحهم.. وهذا واقع ما دامت هناك مصالح، فيفضل الكل التوجه نحو العقد الاجتماعي إذا ظهرت بوادر العنف، فلكي يدافع الجميع على مصالحهم تظهر الدولة. وقد تطول المرحلة بين «حالة الطبيعة» التي لا يوجد فيها القسر الجمعي والدولة ولكنها لابد حاصلة، وبينهما دولة العصابات، وهي تسبق دولة القانون وتوصلها إليها الثورة في الكثير من الأحيان. كانت الولايات المتحدة الأمريكية وحتى عهد قريب تفضل الدول المستقرة وإن حكمتها العصابات على دول القرار الجمعي، وكانوا يعللون ذلك بالحرب الباردة بين أمريكا والسوفييت، إذ إن القرار الجمعي قد يأتي بالاشتراكية وهذا في رأي الغرب ليس في صالح أي دولة، أو في الصالح العام للعالم بأسره. ولكن مع اندحار القطب السوفييتي أرى أن تضغط الولايات المتحدة الأمريكية على دول العصابات بما فيه التحرك نحو القرار الجمعي التوافقي ولو بالتدريج، وإن لم تفعل هذا فإن الثورات تحطم أساس منظومة الدولة كما حدث في سوريا، وتؤدّي الى انعدام الثقة وتأخير الرأي الجمعي التوافقي والعقد الاجتماعي، وهذا في غير صالح الولايات المتحدة والعالم، فحل مشكلات الثورة التي تحطم، أصعب من حل مشكلات الإصلاح المتدرج، فاحتمال خروج الثورة شر لا بد في رأيي تلافيه، وهذا نهج أمريكا اليوم.
مشاركة :