شهر رمضان المبارك على الأبواب. ويحرص مَن في الغربة خارج المملكة على قضاء أيَّامه مع الأهل، وقُرب الأحبَّة والأصدقاء. وتتوق النفوس وتهفو القلوب إلى عمرة تعدل حِجةً مع نبيِّنا الكريم، ثمَّ زيارة الحرم النبويِّ الشريف. وليس جديدًا أن تأخذ غالبيَّة العاملين في البعثات الدبلوماسيَّة السعوديَّة وملحقاتها في الخارج الإجازة السنويَّة في شهر رمضان. وينطبق الحال على غالبيَّة الذين تتطلَّب أعمالهم ومصدر أرزاقهم، أو تحصيلهم العلمي الإقامة في الخارج، لينعموا مع الأهل بالجوِّ الرمضاني الذي تتميَّز به بلد الحرمين الشريفين؛ المدينتين المقَّدستين مكَّة المكرَّمة والمدينة المنورَّة خاصَّة، مع ارتفاع درجات الحرارة عن معدَّلاتها هذه السنوات، من سائر بلدان العالم بروحانيَّة رمضانيَّة. فحرارة لقائهم الأهل، ولمِّ الشمل تعوِّضان عن حرارة الجو في المملكة، ناهيك عن ساعات الصيام الأقلِّ كثيرًا في المملكة عمَّا هي عليه هذه السنوات في بلدان شمال أوروبا وأمريكا الشماليَّة. فالإمساك عن الطعام والشراب في جنوب أوروبَّا يبلغ نحوَ السبع عشرة ساعةً. وفي شمالها حيث الدول الإسكندنافيَّة والجزر البريطانيَّة، قد تصل إلى نحو اثنتين وعشرين ساعة. والحال ذاته في شمال الولايات المتحدة الأمريكيَّة وكندا. ومع حرص الجاليات المسلمة حيثما كانت فوق هذه البسيطة على أداء فرض الصيام والتقيُّد بمواعيد الإمساك والفطور، يتساءلون عن إمكانية صدور فتوى من بلد الحرمين الشريفين تحدِّد ساعات الصيام في البلدان التي تزيد فيها ساعات الإمساك صيفًا وتقلُّ شتاء عن الحدِّ المعقول بما يمكِّنهم من مزاولة أعمالهم من غير مشقَّة أو مضرَّة! ففي نصف الكرة الأرضيَّة الجنوبي هذه السنوات يقصر النهار وتطول ساعات الليل فتصل إلى نحو اثنتين وعشرين ساعة من الظلام الدامس. ويتدارسون اجتهادات مَن أفتوا من العلماء المعاصرين في ساعات الإمساك المقبولة عندما تتجاوز الحدَّ المعقول وقدرة الصائمين في الحفاظ على صحتهم ومواصلة أعمالهم. بعض هؤلاء العلماء الذين أدلوا بدلوهم في هذا الصدد، جعلها مرتبطة بتوقيت مكَّة المكرَّمة؛ مهد التشريع الجغرافي. ومنهم من جعلها لأقرب بلد معتدل التقسيم بين الليل والنهار. وآخرون اجتهدوا بتقسيم الثلث والثلثين؛ إمساك لست عشرة ساعة، وطعام وشراب لثماني ساعات في نصف الكرة الأرضيَّة الشمالي، وإمساك لثماني ساعات في نصف الكرة الأرضيَّة الجنوبي. جميع هذه الاجتهادات لا تعتمد على نصٍّ قَرآني قاطعٍ، بل هي اجتهادات تعتمدُ على استقراء الواقع ومراعاة مقصود الشارع من تحقُّق العبادة وأدائها من غير أضرار ولا مشقَّة، ممّا يجعل الحاجة ماسَّة إلى فتوى رسميَّة من بلد الحرمين الشريفين. ولأنَّ رحمة الله وَسِعَت كُلَّ شيء، يقولُ المولى عزّ جلَّ: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾. وتتأكَّدُ رحمته تعالى في سورة المائدة: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾. وإِنَّا لمنتظرون.
مشاركة :