((حديقة منزلك ليست ملكاً لك وحدك!)).. هذه العبارة قالتها لي بكل أدب جارتي الأمريكية عندما كنت أعيش في واشنطن وذلك بقصد تنبيهي لعدم قيامي بقص العشب في حديقة منزلي لقرابة أسبوعين، وانتشار بعض النباتات الطفيلية به. والنباتات الطفيلية (weeds) هي شجيرات صغيرة غير مفيدة تنمو من تلقاء نفسها وتتسبب في تشويه المسطحات الخضراء، مما يستلزم إزالتها يدوياً أو بالمواد الكيماوية. اعتذرت من جارتي مبرراً إهمالي للحديقة بانشغالي بالاختبارات في الجامعة ووعدتها بالبدء فوراً بقص العشب وتنظيفه من النباتات الطفيلية وأوفيت فعلاً بذلك. حديقة منزلي المطلة على الشارع هي فعلاً ليست ملكاً لي وحدي لأنها جزء من المظهر العام للحي، واهمالي بالتالي لها هو تشويه لمنظر الحي واعتداء على حق ساكنيه الآخرين بالعيش في بيئة جميلة ونظيفة. تذكرت هذه القصة وأنا أشاهد حدائق مدينة جدة العامة (وليس الخاصة) وقد تحولت عن بكرة أبيها تقريباً الى أحراش وأشجار ميتة لم يتم ريها والعناية بها من شهور، لدرجة أن بعضها طال حتى تجاوز أرصفة المشاة الى طريق السيارات مشكلاً خطراً لا يستهان به على سلامة الناس. ما يحدث لحدائق جدة أمر يدعو للعجب، فقد مات أكثر من نصف أشجار المدينة عطشاً، والباقي أصابه التشوه والذبول وشارف على الموت. وأنا هنا لا أتحدث عن شجيرات صغيرة يمكن تعويضها، بل عن أشجار ونخيل استغرق نموها سنوات طويلة، كما أني لا أتحدث عن بضع نخلات وأشجار ولا حتى عن العشرات منها، ولكني أتحدث عن غالبية أشجار جدة ونخيلها وجميع حدائقها العامة. لن أذهب بعيداً وسأضرب مثلاً بشارع «الأمانة» وشارع «ابراهيم الرقي» المتفرع منه والذي كان عليهما أكثر من 200 نخلة كبيرة ذبلت جميعها وماتت تماما لعدم ريها لشهور عديدة. إذا كان شارعان فقط ماتت فيهما أكثر من 200 نخلة كبيرة، فلكم أن تتخيلوا اذاً حجم «المجزرة» التي تتعرض لها نخيل وأشجار عروس البحر الأحمر!! أما العشب في جدة فهو قصة أخرى، حيث قام المقاول بزراعة النجيلة الطبيعية الجميلة جداً والمكلفة جداً على امتداد طريق الملك، والتي سرعان ما اختفت بسبب سوء العناية وانتشار النباتات الطفيلية بكل شبر فيها. الغريب أن هذا الطريق أزيلت منه شبكة الري القديمة وتم استبدالها بشبكة جديدة منذ شهور، والواقع أن الأنابيب القديمة لم تعمل يوماً ومثلها الجديدة، حيث كان ري الأشجار ولا يزال يتم بواسطة «الوايتات» التي لا تعتبر وسيلة مناسبة لري النجيلة الطبيعية، ناهيك عن خطورتها البالغة على قائدي السيارات. أشجار جدة تموت واقفة، وحدائقها باتت مقابر لتلك الأشجار. أنقذوها أرجوكم . حدائق جدة ليست ملكاً لكم!
مشاركة :