نضال الإنسان.. هو العلامة البارزة في التاريخ الإنساني كله؛ لأنه النضال الذي يعكس الطموح الإنساني سعياً إلى غد أفضل وأجمل، وهذه الحقيقة تدحض كل افتراءات أنصار الجمود -أينما كانوا- ومن ضمنهم أولئك الذين ينظرون للكون بعين تضيق عن استيعاب ما فيه من تجارب إنسانية متعددة، تعكس بمجملها محاولات الإنسان للانعتاق من أيّ سيطرة أو تبعية، فالإرادة الإنسانية لا حدود لها، وتجارب الإنسان نبع فياض دافق ينير طريق كل الوطنيين الشرفاء ذوي الإرادة الوطنية الصلبة الذين لم يتلطخوا بأوساخ العمالات والخيانات والتفريط بسيادة واستقلال أوطانهم، والذين يحاولون أن يكون هدفهم وطموحهم: حرية واستقلال وسيادة شعوبهم وأوطانهم، دون ضيق أو انغلاق، دون تبعية أو تحجر، دون جمود أو تطرف، لكن ما الذي يمكن أن يقال لأولئك اليمنيين الذين يحاولون التفريط بالمبادئ والقيم السامية، ويفرطون في الثوابت الوطنية ويعملون على تكريس التبعية على حساب الاستقلال الوطني..؟ وما الذي يمكن أن يقال لأولئك الذين لا يدركون أن الفارق بين التخلف والتقدم لا يكمن في حجم الشعارات بقدر ما يكمن في السلوك والممارسة وفي الرؤية الوطنية الشاملة القادرة على استيعاب حقائق نضال اليمنيين ضد التخلف وعلى طريق التقدم وبناء اليمن الواحد الموحد، والذين غاب عن أذهانهم بأن الوحدة اليمنية ليست بضاعة للمساومة ولا فرضاً فئوياً أو حزبياً، أحادي الجانب، بل هي قدر ومصير وأغلى وأقدس وأعز ثوابت شعبنا اليمني، وهي إرادة وطنية يمنية، لا يمكن أن تصبح تياراً وسوقاً وسلعة للمزايدات والكسب الرخيص على حساب الأماني الوطنية الغالية، فالحفاظ على الوحدة يتطلب رؤية وطنية عميقة تتصدى لكل المخاطر العديدة التي تحاول أن تصبغ الإرادة الوطنية بأصباغ قاتلة كتلك الأصباغ التي جعلت العروبة تضعف لتضعف معها كل فعاليات إمكانياتها وجماهيريتها في وجه المخططات الصهيونية التي استمرأت الاغتصاب والتوسع والعدوان بعد أن ضمنت الحماية والأمن والأمان من كل الأطراف الدولية الكبيرة ومن بعض الأنظمة العربية. ومن خلال هذه الحقائق والمعطيات يمكن إحداث التغيير المستمر لإعادة بناء الحياة على أرض اليمن، انطلاقاً من أهمية خلق واقع مادي يوفر ظروفاً أفضل في حياة الناس والارتقاء بمستوى معيشتهم وتوفير الأمن والأمان لهم في وطنهم بعيداً عن التشرد وأجواء الخوف والرعب والتناحر والاقتتال، إلى جانب توفير المزيد من الديمقراطية التي تفتح أبواب المشاركة في مهام البناء الوطني أمام كل القوى الوطنية الواعية الحريصة على أن لا يكون الوطن ممراً للتبعية والاتكالية بكل ما يترتب عن أشكال التبعية والاتكالية من صعاب لم يكن لها من نتيجة سوى المزيد من الضعف والهوان والارتهان والمزيد من الخلط والعشوائية التي شلت عقليات الإنسان العربي وجردته من فعالية التمييز بين ما هو حق وما هو باطل، فحوار العقل – لا العاطفة أو المصلحة الشخصية – والممارسة الوطنية بمقاييس السلوك اليومي هما أبرز ما يجب استيعابه من الدروس من أجل البناء الوطني لتحقيق الأهداف الوطنية السامية. ومن هذه الحقائق أيضاً نستطيع أن نتبين ذلك التوجه المشكوك فيه الذي يراد من خلاله المساومة على مبدأ استقلالية القرار الوطني، وعلى قضية الوحدة من قبل أولئك الذين يتاجرون بالوطن واحترفوا ابتزاز الدولة تحت مسميات وشعارات عدة بعد أن ظلوا يستثمرون التخلف في بعض المناطق ويعملون باستماتة لكي يكونوا مراكز قوى من طراز جديد يمارسون كبت الفكر باسم حرية الفكر ويحاولون وأد الوحدة باسم الوحدة، لا فرق بينهم وبين الذين يقفون في مواجهة التيار إلا في المبررات اللامنطقية والتي تتناقض مع الأماني الوطنية للجماهير، بل وتتناقض مع قيم ومضامين الوحدة، ومع ضرورة التمسك بها والحفاظ عليها، ويضاف إلى هذه الحقائق كلها تلك الفرص التي أتيحت أمام من لا يدركون أهمية الحفاظ على الاستقلال والسيادة الوطنية في خضم الأنواء الدولية، وبرغم ما تتطلبه مثل هذه الممارسات الابتزازية ودعوات التمزق والتشظي من تكتم وعدم المجاهرة في محاولاتهم التفريط بالقضايا الوطنية؛ إلا أنهم لا يحسبون لذلك حساباً؛ فهم في كل ممارساتهم يتحدون مشاعر الشعب ولا يتورعون عن وضع الحواجز المتعددة لتلوين كل فكر وطني بألوان غير وطنية حتى لا يكون هناك أي فكر يمني حر ومستقل.. وحتى لا تكون هناك أي إرادة وطنية، خاصة وأن التجربة الوحدوية التي خاض معتركها اليمنيون قد مكنتهم من التمييز بين الطريق الحقيقي للتقدم مهما امتلأ بالأعباء والمعوقات، وبين تلك الأوهام والمحاولات التي يمارسها البعض للابتزاز ولتحقيق المزيد من المصالح الذاتية.
مشاركة :