البصمة الغائبة - نجوى هاشم

  • 6/18/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

في المراسلات الخاصة دائماً هناك رقيب منزوع.. ودائماً هناك محاكاة لدواخل الشخص.. بكلمات يرغب في إيصالها للآخر.. بخصوصية إهداء زهرة متدثرة بعطرها.. الذي يحرضك على البوح لمن تهديها له بمحبتك ومودتك له.. وفي المراسلات سابقاً.. وهي التي كانت تترحل عبر البريد.. العادي والمسجل لأزمنة طويلة.. وقد تضيع.. يصلك الظرف مغلقاً مغلّفاً.. عاكساً لصورة مرسله.. ظرف ملون أو أبيض.. لأسباب متعددة منها التهاني للمناسبات وأيضاً لأسباب أخرى قد تصلك رسالة أو رسائل تستمتع بيوم ذهاب أحدهم إلى البريد ليحضرها لك.. وتأتيك الأظرف صغيرها وكبيرها من أنحاء متعددة من المدن والدول.. الطريف أنّ رسالة معايدة بعيد رمضان قد تصلك على عيد الأضحى.. بتلك التوليفة المعتادة من المفردات.. والكلمات التقليدية المكررة.. أو الكروت التي تكون مكتوبة كتهانٍ.. ويضيف إليها المرسل توقيعه فقط.. وتظل لسنوات تحتفظ بهذه الرسائل والذكريات.. التي ورغم كلاسيكية عباراتها إلا أنها كانت تحمل مصداقيتها والجهد الذي كُتب وأرسل وفكر في التهنئة وكتب وغلّف وذهب إلى البريد وأرسل وانتظر زمناً آخر الرد على تهنئته.. وربما يعاقبك مستقبلا ًإن لم ترد عليها.. ولذلك كان لزاماً أن يكون لديك في المكتب رزمة أظرف وعدة أبواك للكتابة عليها وأيضاً كروت معايدة للمناسبات.. ورغم كل ذلك الجهد إلا أنّ التهنئة كانت ذات طعم جميل ورائع فقد تصل قبل المناسبة أو أثناءها.. وتتحمد الله أنّ هناك من يذكرك ويهنئك ويحرص على ذلك..! في المقابل كان من لايعرف الكتابة يلجأ إلى أبنائه أو جيرانه ليكتبوا له التهنئة وكان ذلك يشكل أهمية قصوى للكبار خصوصاً وهم يعايدون أحبابهم وأقاربهم البعيدين عنهم.. وأدين بالفضل في عشقي للكتابة وامتهاني لها لجدتي فاطمة وخالة ليلى رحمهما الله.. حيث تعودت منذ الصف الرابع على كتابة الرسائل لهما إلى جدة بحكم وجود أقاربهما هناك.. فقط أستلم منهما رؤوس اقلام أو بمعنى "ردية وسلام" ومعناها نحن بخير وما نسأل إلا عنكم.. وشهر مبارك عليكم في رمضان وينعاد وأنتم بخير صغيركم وكبيركم.. هذا الاعتياد على الكتابة جعلني أحاول أن ألتف على فكرة كل منهما وأكتب من عندي دون خروج عن النص أو تجاوز.. المشكلة أنّ الناس لم تكن لديها أسرار خاصة.. والأهم من ذلك قد ترسل نقودا في الظرف مع فلان الذي سوف تذهب إليه عندما يعود لتستلم رد الرسالة التي أرسلتها.. بمتعة "شهرنا عليهم" بمعنى باركنا لهم بالشهر الكريم وهم ردوا علينا..! تلك أيام مضت ومتعتها لاتزال في قيمة التهنئة وجمالها وخصوصيتها واقتصارها عليك.. لنعبر بعد الهاتف الثابت الذي ايضاً كان يحمل قيمة اتصال أحدهم ليهنئك برمضان.. وكيف تحمّل ثمن مكالمة وبالذات لو كانت من خارج المنطقة.. تسعد به وباهتمامه.. مهما كانت المكالمة قصيرة ومختصرة..! اليوم نحتفل بأول يوم في رمضان وقبلها بدأ الناس في التواصل بالتهنئة.. لم تعد مكتوبة خاصة ولا مسموعة.. ولكنها عبارة عن مقاطع مستنسخة من هنا وهناك.. وصور.. خالية من أي إحساس مجرد إرسال فقط للأشخاص الذين معك على الواتس أب.. وقد يرسلها للجميع كرسالة جماعية دون أي بصمة خاصة به أو تعنيه.. وقد يقول أرسلت للكل.. وهنأت الجميع.. برسالة لاتخصه ولا تنطبق على الجميع فكل شخص تعرفه تختلف تلك المعرفة عن الشخص الآخر ولا يمكن أن تتساوى معها.. وحتى المسافة بينك وبين الآخر تختلف عن تلك المسافة التي تربطك بالآخر المختلف أو البعيد.. صور وعبارات مكررة وغير شخصية أو مكتوبة من المرسل لمن أرسلها له.. وبالتالي لايمكن أن تصله ردود غير متوقعة فما سوف يصل إليه هو أيضاً مسروق من آخرين ولا ينطبق على فحوى الرسالة التي أرسلت.. وتنتهي القصة بتهنئة تصل لك وهي ليست لك من شخص تعرفه وأيضا تعيد أنت له التهنئة وهي ليست له.. ومع ذلك يستلمها ويسعد بردودك..! سطر واحد من شخص تكلّف بكتابته يكفي عن صفحة خالية من أي معنى ومجرد كلمات باردة.. من شخص تعرفه ولكنه لا يعرفك عندما يرسل لك رسالة كتبها أحدهم لأحدهم والكارثة عندما تكون مذيلة باسم مرسلها..! جمال التهنئة ألا يتم تدويرها فلكل شخص مكانة وقيمة ومسافة تقترب أو تبتعد بها عنه.. وبالتالي تهنئه من تلك المساحة.. وليس من مساحة الافتراض.. بسبب الاستسهال أو ضيق الوقت.. أو تغيير قواعد التواصل.. في كل الحالات.. يجود رمضان علينا بخيره وعطاياه وكرمه في أن نتواصل.. وعلينا أن نساير هذا الجود بالتواصل مع الأصدقاء والأقارب.. بالصوت وبالاتصال وبالسؤال الحقيقي والكتابة التي يستحقونها من داخل صفو النفس وليس من خارج الحروف..! شهر مبارك عليكم جميعاً أيها القراء الأعزاء، وأخص متابعي الزاوية والحريصين على التواصل معي من خلال تعليقاتهم الجميلة والواعية على مدى سنوات.. ينعاد عليكم وعلى الجميع من القراء وعلى الأمة الإسلامية بالخير والمحبة والسلام.. ورمضان كريم!

مشاركة :