سيلفي قبل غياب اللحظة - نجوى هاشم

  • 2/2/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

بعض الظواهر تحاول استقراء طياتها.. خاصة بعد أن تتفشى وتصبح نمط حياة اختيارية.. أو جزءا من السياق اليومي.. وأغلب صانعي الظواهر لايتوقفون أمامها.. لأنهم هم الظاهرة وهم المحركون لها.. وبمرور الوقت تصبح فعلا تراتبيا.. لايمكنك تفسيره أو اختزاله في شخص أو موقف أو مدينة.. خاصة بعد أن أصبح العالم كله قرية واحدة.. مترابطاً بتقنية مشتركة.. تندفع بجنون نحو مستقبل متسارع، ومن الصعب أن تستطلع ملامحه القادمة.. وتحللها لأنها تدخل في نطاق القفزات.. الممتدة والمتسارعة..! مثال ذلك ظاهرة صور السيلفي.. والتي انتشرت بسرعة شديدة.. وهي الصور الملتقطة ذاتياً وتعرف ب"السليفي"، وهي معروفة منذ قرون إلا أن التكنولوجيا الجديدة والكاميرات التي تجهز الهواتف ووصلها بشبكات التواصل أكسبتها شهرة وبعداً كبيراً جداً..! فمع اقتراب نهاية العام م اعتبر قاموس أوكسفورد الإنجليزي المرجعي تعبير "سيلفي" كلمة العام وأعطاها تعريفاً مفاده "صورة ملتقطة ذاتياً بواسطة هاتف ذكي أو ويبكام وتنشر على موقع للتواصل الاجتماعي"..! لكن ماهو سر هوس الناس بتصوير أنفسهم؟ يقال إن البعض يرغبون بأن تكون لهم صور جميلة لأنفسهم.. وآخرين يعتقدون أن صور السيلفي بمثابة كلمة جميلة توجه إلى النفس وهي جانب "النرجسية" في ثقافتنا..! وهذه النرجسية تتماهى مع الأنانية.. يقول أحد مصوري الوكالة الفرنسية "إن السيلفي عملية تتوسع في المجال الاجتماعي الافتراضي.. وفكرة أن يلتقط الشخص صورة لنفسه خلال رحلة أو خلال حدث ليقول" لقد كنت هناك" فهذا أمر أناني مثل المرحلة التي نمر فيها فينبغي أن نكون جميعاً أبطال حياتنا الخاصة.. وهو يأسف لانقضاء المرحلة التي كنا نلتقط فيها صورة لصديق ونرسل له نسخة عنها مع إطار ربما.. وكان الأمر يثير الفرحة وكان بمثابة هدية ودليل صداقة..".. وأول صورة سيلفي موثقة لدوقة روسية مراهقة عامم وهناك صور ملتقطة من القرن التاسع عشر في معرض ناشونال غاليري في واشنطن..! لكن هل يعتبر السيلفي مرضا؟ أو أشبه بالمرض؟ وهل له تأثير سلبي على نفسيات من يلتقطون صورهم؟ إحدى الدراسات أثبتت وجود رابط مابين الإفراط في التقاط صور السيلفي والإصابة بالاكتئاب.. فكثرة التقاط صور سيلفي ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي تؤدي إلى الإدمان عليها خاصة مع تفاعل المتابعين لها.. وقصة المراهق "داني بومان" الذي حاول الانتحار لأنه لم يكن راضيا عن جودة صور السيلفي التي التقطها لنفسه وتفاعل الناس معها "لقد أخبروني أن جسدي به أخطاء شكلية وليس نموذجياً، وهذا ما أشعرني بالخزي".. يقول داني..! دراسة أخرى تفيد بأن التقاط السيلفي له علاقة بمدى تقدير الذات حيث يلتقطون الصور لنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، و منهم كانوا يشعرون بدرجة منخفضة من تقدير الذات..! إضافة إلى ذلك كشفت دراسة عن أن كثرة نشر السيلفي على مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن تجعل الشخص نرجسياً أي محباً لنفسه، وقد يصاحب ذلك التعالي والغرور لأنها غالباً ما تسير جنباً إلى جنب مع التوجس والتركيز على الطريقة التي تنظر بها لنفسك والطريقة التي ينظر بها الآخرون لك.. كما أنها قد تجعلك كسولاً لأنها تربطك بمتابعة الهاتف في أغلب الأحيان..! أما عن تأثيرها على العلاقات الاحتماعية فقد أجرت جامعة برمنجهام وجامعة أدنبرة وجامعة هيريوت دراسة مشتركة نشرها موقع تايم عن علاقة السيلفي بالعلاقات الشخصية بين الأفراد، وكيفية تأثيره على الإلفة والمودة بينك وبين المقربين منك.. فاتضح بأن مدمني السيلفي يميلون عموماً لأن تكون لهم علاقات شخصية أكثر ضحالة باعتراف الجميع، وينفر أصدقاؤهم المقربون منهم.. وقد يكون هذا غير مفاجئ للمنتظمين في تويتر وفيس بوك وإنستجرام..! دراسة أخرى بجامعة أوهايو أثبتت وجود علاقة بين السيلفي والاضطراب النفسي.. أو تشيؤ الذات.. أما الدراسة الأغرب فهي تتعلق بخسارة الوظيفة بفعل السيلفي.. حيث نشرت دراسة من جامعة جورجيا ربطت بين فرص الحصول على وظيفة مع السيلفي.. وتوصلت إلى أن الناس الذين ينشرون الكثير من صور السيلفي قد يخسرون الكثير من فرص العمل.. حيث يرى أصحاب الأعمال أن هؤلاء لديهم درجات أقل في التحكم بالذات ما يؤدي لتقليل فرص هؤلاء الأشخاص في التوظيف والحصول على فرص عمل..! وبعيدا عن الدراسات لم يعد السيلفي مقتصراً على المراهقين.. حتى الكبار رجالا ونساء، وبالنسبة لي الأمر يظل غريباً وبالذات لمن لايحب الصور.. لأنك تجد نفسك مع مجموعة وفجأة بالجوال صورة سيلفي.. وتجد السعادة على الوجوه وكل شخص يطالب بالصورة.. مع أن اللحظة عادية ولاتستوجب التصوير.. المذهل أن سيدة كبيرة وفي مناسبة حزينة ظلت تلتقط صور سيلفي.. حتى اللحظة لم أفهم لماذا؟ لكن اكتشفت بعد هذه الدراسات أنها "مطيورة" أو لاتركز أو كما نسميها ليست عاقلة.. مشكلة المجتمعات أنها رهينة لكل ماهو مستحدث وتغوص فيه حتى يصبح جزءا من تكوينها.. ووسائل التواصل الاجتماعي تغص بالسيلفي وتعكس كم الفراغ الذي يعيش فيه البعض ويستكينون داخله وأن الحياة أغلقت على السيلفي ووسائل التواصل.. ولم تعد توجد حياة أخرى خارجها وإن وجدت فتظل من أجل تصويرها وتوثيقها ونشرها بالصور لأن الحياة الحقيقية تحولت إلى جسر تعبر منه إلى الحياة الإفتراضية..!

مشاركة :