عندما تطأ أقدام اللاجئين السوريين أرض ألمانيا، يعتقد بعضهم منهم أن المعاناة إنتهت وستبدأ مرحلة جديدة من حياته مليئة بالمفاجآت السارة والتعويض عما خسره سواء من جراء الحرب في بلاده أو من جراء المعاناة التي عاشها في بلدان الجوار ريثما تمكن من تأمين لجوء رسمي من طريق الأمم المتحدة أو الوصول سالماً عبر «قوارب الموت». الصدمات تبدأ بعد أيام قليلة من الوصول، ربما أولها هو أن مراكز الإستقبال مزدحمة باللاجئين الذين ينتظرون قبول أوراقهم، والذين دخلوا ألمانيا بطريقة غير شرعية، علماً أن الوضع مختلف إلى حد ما بالنسبة للقادمين عن طريق الأمم المتحدة. ثم يدخل طالب اللجوء بدوامة المراسلات الورقية والرسائل التي يتلقاها في شكل دائم، والمنصوصة غالباً من دون ترجمة إلى العربية. وتنجلي الصورة تدريجاً، إذ يكفي مبلغ من المال لبعض التنقلات والطعام. وقت طويل يمضيه اللاجئ في الإنتظار، وغالبية مراكز الإحتضان تعاني من مشكلة الانترنت، فهو إما غير متوافر أو على اللاجئ دفع مبلغ مالي ليس بقليل للحصول عل هذه الخدمة. زيارة الطبيب وشرح ما يشعر به المريض ووصف حالته قصة أخرى نظراً لعدم تكلّمه الألمانية، ومن ثم الإنتظار ليأتي دوره لدخول أحد معاهد اللغة التي تشهد طفرة إستثنائية في عدد الطلاب، ناهيك عن صعوبة تعلّم اللغة والحصول على فرصة عمل، ما يعني أن اللاجئ سيعيش وقتاً طويلاً معتمداً على المساعدات المالية المقدّمة من الحكومة، التي لا تسدّ أكثر من الحاجات الأساسية. كما أن المشكلات التي تواجه السوري والموظف الألماني معقدة بعض الشيء لناحية الفكرة المأخوذة عن الحياة في ألمانيا، فالعائلة السورية المؤلفة من عشرة أطفال مع الأب والأم، قدمت لجوءها من طريق الأمم المتحدة، ولا تعرف الكثير عن آلية الحصول على موعد لزيارة طبيب لا سيما أن بعض الأطفال يعانون من «صرع» وآخرون من «حبة حلب» غير المعروف في ألمانيا، وبالتالي لا يملك الأطباء خبرة واسعة في معالجتهما، ما يجعل الأهل دائمي التأفف والشكوى. وعموماً المقيمون في ألمانيا معتادون على البيروقراطية، لكن اللاجئ لا يعرفها ولم يعتدها، خصوصاً أن كل حق من حقوقه يخضع لسلسلة من الإجراءات الحكومية حتى يرى النور، ويصبح قابلاً للتطبيق. بالنسبة إلى الموظف الألماني فإنه يطبّق القانون، وبالنسبة لبعض السوررين فما يواجهونه مماطلة. وكما يؤكد أحد الآباء: «قال لنا موظفو الأمم المتحدة عندما تصلون إلى ألمانيا سيتولون أموركم جميعها: المسكن والطبابة والراتب الشهري، كل شيء هو من مسؤوليتهم». من حيث المبدأ الأمر صحيح، لكن الموظفة المسؤولة عن ملف عائلته توضح: «على سبيل المثال، لا يوجد في مدينتنا منزل كبير يتسع للعائلة، وبعد جهد حصلنا على عرض من مالك أحد الأبنية، بأن نفتح شقتين متقابلتين على بعضهما بعضاً لتصبح منزلاً كبيراً. وبعد أن جهّزنا الشقة ونقلنا إليها أثاثاً من متبرعين، زراها الرجل ورفضها، قال أنه يريد منزلاً منفصلاً كبيراً مع حديقة للأطفال. تبدو لنا بعض الطلبات تعجيزية، أوضحنا له مررا أنه لا تتوافر حالياً منازل كبيرة في المدينة، ردّ بأنه سينتظر ويبحث بدوره. أن بعض الأمور تحتاج إلى قليل من التسامح والتفاهم، وبعض الطلبات لا يحظى بها الألماني نفسه». وتشير موظفة أخرى إلى أنه «يتعيّن على موظفي الأمم المتحدة أن يوضحوا أن المدرسة في ألمانيا أمر إجباري وليس خياراً، وعلى طالب اللجوء التوقيع على أوراق تؤكد موافقته على تفاصيل قبل أن يأتي. الروضة والمدرسة ودروس السباحة إجبارية، هذا جزء من مجموعة أمور يجب أن تُفهم». سيدة منزل سورية تعبّر عن قلة معرفتها بالقول: «حصلنا على لجوء من طريق الأمم المتحدة، وأبلغونا فقط أنه علينا أن نفصل بين أنواع القمامة، البلاستيكية والمطبخية، وأكثر من هذا لا نعرف شيئاً». ويطالب آخر «العاملين في الأمم المتحدة بتزويدنا بمعلومات أكثر، لكن أيضاً على الأعلام أن يقدّم صورة حقيقة عن حياة اللجوء في ألمانيا، بسلبياتها وأيجابياتها، تخفيفاً للمشكلات التي قد نتعرّض لها عندما نأتي». ويؤكد واصلون إلى ألمانيا عبر القوارب، أنه عندما ينطلق السوري في رحلة العذاب ينحصر أمله فقط بأن يضع قدميه على بر الأمان، لذا لا يركز أو لا ينتبه، وقد لا يقرأ كثيراً عن طبيعة الحياة هنا. من جهة أخرى بدأ موظفون ألمان كثر يضيقون ذرعاً من بعض اللاجئين نظراً لكثرة الأسئلة والطلبات، خصوصاً ما يتعلّق بمواعيد الطبيب، والمراجعة، كذلك الإستفسار عن أشياء لا علاقة أصلاً للموظف الألماني بها، مثل لماذا رفض طلب لجوئي؟ لماذا تأخرت المحكمة في إرسال قرار القبول أو الرفض الخاص بأوراقي؟ هذا المحامي لم ينفعني؟ وما العمل؟ ما هي أفضل جامعة في ألمانيا وكيف لي أن أتسجل بها؟ كما يجمع سوريون المعلومات من سوريين آخرين سبقوهم في الوصول إلى ألمانيا أو حصلوا على اللجوء، ما يسهّل مهامهم من خلال الإطلاع على المستندات المطلوبة أو إرشادهم إلى مواقع الإلكترونية المتخصصة.
مشاركة :